لقد أسهمت جامعة القرويين في بناء الشخصية الإسلامية من خلال حملها لواء الأصالة والتجديد في وقت واحد ومحافظتها على القيم الدينية السائدة فضلا عن حمايتها للثقافة الإسلامية التي طبعتها الجامعة بالطابع المغربي الأصيل.ولا شك أن عوامل الجغرافيا قد جعلت من المغرب ساحة للتلاقي الحضاري بين الشمال والجنوب وبين أوروبا وإفريقيا ،وهذا العامل الجغرافي جعل من المغرب ممثلا في جامعة القرويين القلعة الإسلامية الأولى التي تحمي الحضارة الإسلامية من أخطار الغزو الصليبي والمد التبشيري وتعطي للشخصية الإسلامية قوتها وحيويتها مغذية بذلك الثقافة الإسلامية بصفة عامة بالقيم والمبادئ والمثل الأصيلة .
وإذا كانت الهوية الثقافية الإسلامية هي ذلك القدر الثابت والجوهري المشترك من السمات والقسمات العامة التي تميز حضارة هذه الأمة عن غيرها من الحضارات والتي تجعل للشخصية الإسلامية طابعا تتميز به عن الشخصيات الحضارية الأخرى ، فإن جامعة القرويين من خلال ما أنتجه علماؤها من تراث وفكر حضاري إسلامي متميز قد سعت إلى الحفاظ على ذاتية وأصالة وشخصية الأمة الإسلامية وذلك انطلاقا من الأركان الثلاثة الرئيسة : العقيدة واللغة والتراث الثقافي.
إن أبرز ما قدمته القرويين للمجتمع المغربي أولا وللمجتمعات العربية والإسلامية ثانيا هو تكوين شخصية إسلامية وبناء هوية دينية ورسم ذاكرة اجتماعية ، وقد تمكنت من ذلك بفضل مناهجها العلمية الجامعة بين علوم الدين والدنيا وبفضل كفاءة علمائها الذين تولوا التدريس برحابها حيث تعدى إشعاعهم حدود المغرب العربي إلى إفريقيا والأندلس ومنها إلى مختلف الدول الأوروبية.
لقد كان دور جامعة القرويين في نشر مختلف العلوم والفنون يمثل رسالة حضارية حافظت على معالم الشخصية الإسلامية و أسهمت في صياغتها من خلال الحفاظ والدفاع عن أصالة اللغة العربية وفرضها لغة العلم والمعرفة ، وقد ساعد على ذلك تكريس سلاطين وملوك الدولة المغربية لسياسة التعريب الشاملة في مجال التعليم ، فكان أبناء المغرب والوافدون عليه من الخارج يلتقون جميعا على اختلاف ألسنتهم ولهجاتهم على اللسان العربي.
وإذا كان للقرويين الدور الفاعل في الإسهام الموفور في تشخيص الحضارة الإسلامية وتعميق أسسها الثقافية فإن المغرب حين التحق بهذه الحضارة وسار في ركابها ظل حريصا من خلال معقل القرويين على التعبير عن ذاتيته وتحقيق خصوصيته الحضارية من خلال تراثه الفكري والثقافي ومنظومة القيم والتقاليد ومناهج النظر العلمي والمعرفي فضلا عن خصوصية أشكال الفنون المعمارية الفاسية مما تم اقتباسه فيما بعد من طرف دول إسلامية كثيرة. فكان كل ذلك إسهاما متميزا في تغذية الشخصية الإسلامية بالإبداع والعطاء المغربي.
أختي جوهرة بارك الله فيك على هذا الجهد
الذي بذلته في شرحك و توضيحك و بحثك
عن اكبر أعرق معلمة تاريخية مغربية
فلا تحرمينا من تواصلك و اختيارك الراقي
نسمة المروج