اخر عشرة مواضيع :         متجرخولة لفن الحياكة و الكروشيه (اخر مشاركة : ماريا عبد الله - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          موقع قرة الوجهة الرئيسية لمحبي المعرفة والتعلم الدائم (اخر مشاركة : ماريا عبد الله - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أفضل تطبيق لمشاهدة المباريات والقنوات المشفرة على الأندرويد (اخر مشاركة : ماريا عبد الله - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          معمول الجابرة (اخر مشاركة : ماريا عبد الله - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          برنامج Cryptotab متاح للتحميل الان (اخر مشاركة : ماريا عبد الله - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          حازم المراغى يعود (اخر مشاركة : حازم المراغى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          ادخل لك رساله (اخر مشاركة : حازم المراغى - عددالردود : 788 - عددالزوار : 144025 )           »          تطبيق شاور لتفسير الاحلام (اخر مشاركة : فهمي سامر - عددالردود : 0 - عددالزوار : 81 )           »          تطبيق عقارات السعودية متوفر الان للتحميل (اخر مشاركة : فهمي سامر - عددالردود : 0 - عددالزوار : 130 )           »          المواد الحافظة ومخاطرها على صحتنا (اخر مشاركة : جـوهرة 99 - عددالردود : 6 - عددالزوار : 474 )           »         


لوحة الشـرف
القسم المتميز العضو المتميز المشرف المتميز الموضوع المتميز
قريبا قريبا قريبا قريبا


العودة   منتديات المروج المشرقـــة > المروج الأدبية والفنية > ~¤¢§{(¯´°•. مروج القصص والروايات.•°`¯)}§¢¤~
التسجيل التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم اجعل كافة المشاركات مقروءة

~¤¢§{(¯´°•. مروج القصص والروايات.•°`¯)}§¢¤~ كل ما يتعلق بالقصص والروايات الأدبية والمحاولات الشخصية

الإهداءات

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
قديم 06-13-2008, 06:54 AM   #66
مشرف سابق

((عـالـم تـانـى))

الصورة الرمزية فاي
افتراضي


عندما بكى عاميت

وفي غرفة المراقبة، كان ضباط الموساد والفنيين في دهشة حقيقية أمام الموقف المؤثر، فإنها المرة الأولى، طوال عملهم في نصب مصائد العسل، التي لا يصاب فيها "الصيد" بصدمة المفاجأة، الصاعقة، بل إنها المرة الأولى أيضاً التي يطرقون فيها الباب، ويدلفون بهدوء كأصدقاء.

لم يكن عاميت قد صادف شيئاً كهذا من قبل، فمشاعره بلا شك أنصبت في اتجاهات أخرى، غير تلك التي حيرت رجاله، وبهذا فقد ضمت الحجرة أحاسيس متبانية، تولدت أمام مشهد عجيب.

تطرق أبو داود في حذر ذكي لمسألة الهرب الى إسرائيل، مقابل مليون دولار تدفع فوراً في تل أبيب، وكان حريصاً على ألا يذكر الميج 21 مطلقاً، لتهيئة روفا نفسياً أولاً، نائياً به عن إحداث صدمة ترتد بمشاعره، وتتطلب ترميماً يستغرق وقتاً لرأبه.

قال أبو داود:
إن إسرائيل هي أرض الكتاب المقدس، والوطن التاريخي للشعب اليهودي، الذي تعرض على مر العصور لهجوم تلو الآخر من جانب أعدائه، فتشتت شمله بهدف القضاء عليه جسدياً وروحياً، وأجبر اليهود على ترك أرض إسرائيل أكثر من مرة عبر التاريخ.

ففي عام 720 قبل الميلاد طرد الآشوريون اليهود من أرضهم، وطردهم البابليون من بعدهم عام 586، ثم طردهم الرومان عام 70 ميلادية، وتعرضوا لأعمال الاضطهاد والطرد في أماكن وعصور أخرى، كان أبرزها في انجلترا عام 1290، وفي أسبانيا 1492، وفي روسيا عام 1881، وجاء هتلر وأقام لهم المحارق التي التهمت الملايين منهم. والآن يتربص العرب بنا في وطننا التاريخي، ويحاربون عودة اليهود المشتتين الى أرض إسرائيل، ويتوعدوننا بمحارق أخرى تلتهم بقيتنا لكي لا تقوم لنا قائمة.

إننا لم نعود الى أرضنا لكي نحارب العرب، لأننا بطبعنا أناس مسالمون نسعى للعيش في أمان، ونمد أيدينا لجيراننا بالسلام لكنهم يخططون لإبادتنا، ويعملون في الخفاء على تقوية جيوشهم وتسليحها بأحدث الأسلحة السوفييتية، ولا نملك إزاء ذلك إلا التحرز لاتقاء ضرباتهم، وحماية أطفالنا الأبرياء من مستقبل مظلم نتوقعه لهم، طالما هناك نوايا سيئة تجاهنا من أبناء عمومتنا العرب.

أيها الأخ العزيز العربي الشهم، إن بلدكم الطيب – العراق – كان دائماً ومازال رمز المحبة الخالصة، ففيه عاش عشرات الألوف من اليهود العراقيين، جنباً الى جنب مع المسيحيون والمسلمون، وهاجر العديد منهم الى إسرائيل وبقلوبهم نبض الحب باق للعراق.

هؤلاء اليهود الطيبين الذين جاوروكم في أنحاء العراق، وأحبوكم، وأنت تعرف بعضهم، إنهم يطلبون منك الحماية، ويرفعون أياديهم ضارعون اليك لتساعدهم، فهم بمسيس الحاجة الى رحمتك وعطفك وشهامتك.

كان أبو داود الممثل البارع قد امتقع وجهه وارتجف بدنه، وبكى، فأبكى عاميت تأثراً في حجرة المراقبة، وأدمعت عيون رجاله المستترون معه.

ليزا أيضاً كانت تلاصق روفا، وتضغط بحنان وتأثر على كفه، ينساب على خديها خطان من الدموع الى ذقنها. وشهقاتها الملتاعة رسمت خطوطها بوجهها، فبدت عاطفية تفيض شفافية مزيفة، وهي تنهش بنظراتها الحانية الراجية عيني روفا، وتقول له في توسل:

"إفعل شيئاً لأجلي".

لقد كانت اللغة العربية هي لغة الحوار بينهم، ما عدا ليزا، التي أمرها عاميت بعدم التفوه بها، وكانت تخاطب روفا بالإنجليزية لتأكيد دورها وهويتها. لكنها تأثرت جداً بخطبة أبو داود بالعربية، وأوشك أن تنكشف إذا ما أفاق روفا، وحلّل تفاصيل اللقاء بدقة.

وأمام المشهد الابتهالي الصعب، الذي أبدعه أبو داود ببراعة، خيم الوجوم على عقل الشاب المحاصر، وتساءل في حيرة عما يملكه ليقدمه لهؤلاء. .؟

وقرأ رجل المخابرات أفكاره، فقالها بوضوح هذه المرة:
سيدي النقيب روفا. . إن رغبتك الشجاعة في العيش بإسرائيل مع هذه الفتاة الحسناء، شرف لإسرائيل ولكل الشعب اليهودي. وإنه لفخر لنا أن تقيم بيننا وأن تمنح حقوق المواطنة كاملة، فضلاً عن المزايا الأسطورية التي ستسبغ عليك . . و

قاطعه روفا مجاملاً بأدب:
إن إسرائيل لدولة رائعة.

أكمل أبو داود:
سنمنحك سيدي النقيب مليون دولار أمريكي، وسنهيئ لإقامتك فيلا ساحرة، ومنصباً عسكرياً يليق بك كطيار كفء، مقابل أن تزودنا بها.

سأل الطيار المحاصر متعجباً:
أزودكم بماذا. . ؟ أنا لا أفهم ماذا تقصد.

أجاب أبو داود بينما كانت ليزا تعتصر كف منير روفا وتقبله:
الميج 21.

صاح الطيار كأن حية لدغته:
الطائرة الميج. . ؟

ضاعفت ليزا ضغطاتها وقبلاتها بحنان ورجاء، وأردف ضابط الموساد:
نحن نريدها سليمة في إسرائيل ليتعرف طيارونا عليها عن قرب.

وأضاف وقد وشم صوته بطمأنينة زائدة:
إن العرب منذ زودهم السوفييت بها يرهبوننا، ويدعون بأنها تفوق طائراتنا الحربية قدرة ومهارة، إنها تحلق يا أخي بأمان في أجوائنا، وتخترق في دعة حاجز الصوت فوق مدننا، وكأنها تطلق لسانها ساخرة من طائراتنا وأجهزة دفاعاتنا الجوية. لذلك نريدها سيدي النقيب لنتكشف خباياها، وأعتقد حينئذ، أن إقامة تمثال لك بكل شبر في إسرائيل تكريم ضئيل سيدي النقيب، لأن شعبنا سينظر اليك كبطل أسطوري خارق. . !!

وكان لدموعها وهي تحكي له عن معاناتها المزيفة . .

الأثر الواضح في ارتباطه بها . .

وتأثره امام مشاعرها. .

فكان تأثره هذا مدعاة لأن يفقد تركيزه . .

وينساق خلف أوهام هواجسه . .

التي قادته الى طريق الخيانة . .

بلا تفكير. . !!
فاي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-13-2008, 06:55 AM   #67
مشرف سابق

((عـالـم تـانـى))

الصورة الرمزية فاي
افتراضي


شروط صفقة الخيانة

كانت الأنفاس في تلك اللحظة محتبسة قلوقة، والوجوه غشاها إرهاق الخوف والاضطراب، وتوقفت عقارب الزمن تزيد العقول جنوناً، وبدا عاميت في أحلك لحظات حياته، التي سيتحدد بعدها مصيره بين رؤساء الموساد على صفحات التاريخ. فهتف لأحد ضباطه أن يذهب الى الحجرة الأخرى، عارضاً على الطيار العراقي مليون دولار أخرى، وإن استدعى الأمر مليونان. .ثلاثة ملايين.. لا يهم. .!!

أبو داود نفسه كان يملك قرار مضاعفة المبلغ، لكنه فضّل الانتظار وترقب رد الفعل عند روفا. .وكان في داخله أيضاً يعيش تلك اللحظات العصيبة، التي يعشها عاميت ورفقاؤه.

أخيراً نطق أبو موسى، أراد هو الآخر أن يصنع لنفسه مجداً، ربت على فخذ الطيار التائه وقال:
سنؤمن لك طيراناً آمناً عبر الأجواء الأردنية. .وستكون طائراتنا الميراج في شرف استقبالك، ومن أجل حمايتك في الجو.

أطلق روفا هواء رئتيه بصوت مسموع صحبه صفير كالفحيح، وكأنما كان يستقرئ الأمان في عيني ليزا الناعستين، إذ نظر اليها طويلاً بإمعان، وكانت يداها مازالتا تحتضنان كفه وتعصرها ضغطاً. عندئذ هزت رأسها بحركة خفيفة، ترجوه صمتاً أن يوافق.

فاستدار ناحية أبو داود، الذي استدعى – برغم ارتجافه – ابتسامة بذل جهداً خارقاً لإبرازها، وقال روفا بصوت مرتعش أتى من قرار بعيد:

هل أنتما من المخابرات العسكرية. . ؟

أجاب أبو داود على الفور:
لا . . لا . . نحن نعمل في مكتب رئيس الوزراء، ليفي أشكول، "وبعد برهة" مندوبا علاقات دولية واتصال.

علق روفا مندهشاً:
إن ما تقومان به من صميم عمل أجهزة المخابرات.

صحح ضابط الموساد في خبث وقد ارتفع حاجباه:
المخابرات الإسرائيلية لها مهام أخرى سيدي النقيب روفا، وما قصدْنا في النهاية إلا السرية حفاظاً على أمنك الشخصي.

بعد لحظات صمت طويلة، قال روفا متردداً:
ومن يضمن لي المليون دولار بعدما أهرب. . ؟

تنفس الجميع الصعداء وهتف أبو داود:
رئيس الوزراء شخصياً. . إننا ندعوك لقضاء عدة أيام بإسرائيل، وسيسر رئيس الوزراء بلقائك، ولسوف تسمع منه تأكيدات الضمان.

أجاب روفا:
أخشى أن أكون مراقباً من أحد رجال مخابراتنا، فقد جئت الى باريس بدعوى الفحص الطبي والعلاج.

قال أبو موسى بثقة:
ليس للمخابرات العراقية نشاط ملموس في فرنسا، سنؤمن لك وثيقة سفر ولن يشعر أحد بغيابك عن باريس، فضلاً عن الأوراق الطبية التي تؤكد أن رحلتك لفرنسا كانت للعلاج. وأضاف أبو داود:
وفي إسرائيل ستختار بنفسك الفيلا التي تروق لك، وليتكلم معك فنيو سلاح الجو، بخصوص الممر الجوي الذي ستسلكه، والتردد اللاسلكي للاتصال بهم، وكذا القاعدة الجوية التي ستهبط بها.

غمغم الطيار العراقي وهو يزفر:
أعتقد أن المسألة شبه مستحيلة. . فهناك مشاكل عديدة لا حلول لها.

فارداً ذراعيه صاح أبو موسى:
سنذلل العقبات التي تؤرقك. . ولن نترك مشكلة واحدة – ولو تافهة – إلا وناقشناها معك. .ووضعنا لها حلولاً.

طوقته ليزا بحرارة وهي تقبله بحنان، وبعينيها دموع تترقرق، وقال:
مونير. .أحبك .. إن عمري كله لك .. !!

تجاهلها روفا وتوجه بكلامه الى ضابطي الموساد:
أنتما لا تعلمان بأنني لم أحصل بعد على ترقية قائد سرب، وأنني مقيد بالطيران لمسافات قصيرة، حيث أحصل على وقود لمسافة 500 كيلو متر فقط. . وعند ترقيتي تُضاعف كمية الوقود، أي أستطيع الطيران لمسافة ألف كيلو متر. وفي جميع الحالات لن أتمكن من الوصول اليكم، لأن المسافة تزيد على الألف كيلو متر بين كركوك وأقرب قاعدة جوية في إسرائيل.

كان منير روفا يتكلم بصدق فعلاً، مما أكد لعاميت ورجاله غباءهم، إزاء النظم المعمول بها في الطيران العراقي. وأحس أبو داود بما يشبه اليأس أمام تلك المشكلة المعقدة. فصرامة القيود في العراق تحول دون لجوء روفا لطرق ملتوية – سواء بالرشوة أو التحايل – لملء خزان وقوده.

وفي غرفة المراقبة المجاورة، ساور عاميت الإحساس نفسه، وعندما استحكمت الأزمة وخيم الوجوم، تخطى عاميت محظورات الأمن، وسمح لضابط مخابرات سلاح الجو المرافق أن يتصل بأبو داود، بواسطة تليفون الفندق الداخلي.

تناول أبو داود سماعة الهاتف من ليزا، وظل منصتاً لا يرد، ثم وضع السماعة جانباً وهو يسأل روفا:
ألم تبذل محاولات لنقلك الى بغداد. . ؟

أجاب روفا:
تقدمت بطلبات عديدة للانتقال الى قاعدة الرشيد الجوية بالقرب من بغداد، متعللاً بظروف والدي الصحية، ووعدوني أكثر من مرة بالنقل، ومنذ شهر تقريباً علمت أن نقلي مرتبط بترقيتي فعلياً لقائد سرب، وهذا لن يكون قبل مرور شهرين على الأقل من الآن.

وعقب أبو موسى:
وعند ترقيتك ونقلك الى بغداد، بإمكانك إذن. .

قاطعه روفا قائلاً:
لو أن ذلك حدث بالفعل، لانتهت إذن مشكلة مسافة الطيران، لكن بقيت مشكلة لا أرى حلاً لها، وهي تتصل بعائلتي.

تساءل أبو موسى وقد قطب جبينه:
عائلتك. .؟

تنهد روفا وأجابه:
إن شرطي الوحيد للجوء اليكم، هو إخراج عائلتي من العراق أولاً، فالسلطات العراقية لن تهدأ حيالها. . ولن يهدأ بالي أيضاً حينما أعيش، بدونها، في إسرائيل.

كان شرط منير روفا إذن، يحمل موافقة لا تقبل الشك، على الهرب بطائرته الى إسرائيل. فعند ذلك عمت تباشير الأمل، وتهللت الوجوه في زهو، وارتمت ليزا على صدر منير روفا، تشبعه عناقاً مشوباً بالرضا، وهتف عاميت في مخبأه:

أنتم حقيقة عقول الموساد النابضة . . وفخر إسرائيل . . وعزها . . (!!)
فاي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-13-2008, 06:57 AM   #68
مشرف سابق

((عـالـم تـانـى))

الصورة الرمزية فاي
افتراضي


طيار عراقي في إسرائيل

كان الطقس ربيعياً يميل الى البرودة، عندما انطلقت السيارة الرينو السوداء، تجتاز شوارع باريس المتلألئة مساء 25 أبريل 1966، باتجاه الجنوب.

بالمقعد الخلفي قبع الشاب الشاحب، الذي بالكاد يسحب ابتسامة باهتة، تتخلل أصابع يمناه شعر الفتاة الحسناء التي دفنت رأسها بصدره، بينما شرد عقله في رحلة ما أطولها. فقد طار بخياله الى بغداد، يجوب على عجل شوارعها وميادينها ومبانيها، ووقف على شاطئ دجلة يتأمل وجهه المرتعش على صفحة الماء، وفرطت المويجات الهادئة ملامحه، فانسحب في رفق الى الجسر القديم، وعبر الى حي المنصور يشتم رائحة العراق القديم، يطالعه وجه أمه الدامعة العينين، وتتشبث به أيدي طفليه وزوجته، فيطوف برأسه صراخ حاد، يشبه صوت هدير صاخب، يضرب أعماقه الجوفاء القاحلة، ويكاد ينخر جمجمته.

لم يتذكر طوال الطريق الى المطار ماذا كانت تقول ليز، حتى وهو داخل طائرة العال الإسرائيلية، اجتاحه إحساس بغياب حواسه، واتزانه، وتركيزه، كأنما ألقى به داخل كبسولة فضائية، يسبح مجدفاً في ذلك النطاق الضيق الخانق.

كان في قرارته لا يعرف بالضبط ماذا يريد. .؟ أكان يسعى خلف فاتنته ليزا. . ؟ أم طمعاً في المليون دولار. ؟

صحيح أن ليزا أعطته الكثير، وتفوقت على كل من عرف من النساء، للدرجة التي يشعر معها بأنه لم يتلذذ من قبل أن ينجرف، سابحاً خلال ذلك المحيط الرائع الواسع، الحار الدفق والمتع. لكن هل هذا فقط ما دعاه الى السفر لإسرائيل، للتخطيط لعملية هروبه من العراق بطائرته. . ؟ ولو أن المال كان مطلبه، ألا يُؤمِّن الراتب الضخم الذي يتحصل عليه في العراق، الحيارة والمستقبل لأسرته. .؟

كان يدرك تماماً أن حكومته تنفق على الطيارين بسخاء، وتضمن لهم راتباً عالياً وحياة رغدة بلا منغصات، وأنه استطاع – بواسطة راتبه – إخراج أسرته من بوتقة الفقر، وتعليم بقية أخوته في المدارس والجامعات، وعالجت الحكومة والديه – مجاناً – بأكبر المستشفيات العسكرية، واستثنت أخوته من شرط مجموع الدرجات، وألحقتهم بالمدارس والجامعات حسب رغبتاهم.

لماذا إذن يخون العراق. . ؟ وماذا فعل به قادته لكي يخونهم. . ؟ لقد قبلوه بكلية الطيران وهو الشاب المعدم ذو الأسرة الفقيرة، وأنفقت عليه الدولة مثل وزنه أموالاً لتعلمه، وبعثوا به الى الخارج في دورات تدريبية ليرتقي فنياً كطيار حربي، وعاملوه بكرم شديد وبحب كبير، دون أن يفرقوا بينه – وهو المسيحي – وبين زملائه المسلمين في المعاملة. بل إنهم كانوا أكثر تساهلاً معه، حتى لا يدعي حاقد وضيع باضطهاد المسيحيين في الجيش العراقي.

لماذا إذن وكل الأمور طيبة يخون. .؟

إن عقله يكاد يجن وهو يبحث عن إجابة تريحه، وتريح ضميره الذي غاب، بلا فائدة. كل ما يعرفه أنه انقاد وراء ليزا بلا وعي، ووافق على فكرة الهرب بطائرته دون تحسب للعواقب، وها هو يطير الى إسرائيل كالمغيب والى جواره ليزا الغارقة في حبه، يحمل جواز سفر باسم "عزرا موران بارزكاي"، في رحلة لن يتمكن بعدها من التراجع أبداً.

كان مائير عاميت قد أسرع بالعودة الى تل أبيب، ليزف البشرى لرئيس الوزراء، تاركاً روفا مع رهط من رجاله، تكاتلوا عليه، وحاصروه، ولم يتركوا له فرصة كافية ليختلي فيها بنفسه ليفكر أو يتراجع، بل أغرقوه بالإغراءات والوعود، ملوحين أحياناً بلطف شديد، بالأزمات التي سيواجهها في العراق إن لم يهرب.

وفي مطار اللد كان الوضع مدهشاً، إذ استقبل بحفاوة بالغة أذهلت عقله، وعومل، منذ لحظة نزوله سلم الطائرة، كشخصية هامة للغاية، وجذبته صائدته الماهرة، لتبتلعهما الليموزين السوداء ذات الستائر، تخترق شوارع تل أبيب قرب الفجر.

كانت دقات قلبه المتسارعة تزيد من اضطرابه، برغم التصاق ليزا به، وصوت الكاسيت الذي يردد أغنية "الورد جميل" لأم كلثوم.

أزاح الستار قليلاً بيده، وراح يتأمل اللافتات العبرية، والأضواء، والشوارع شبه الخالية إلا من رجال الأمن وسياراتهم، وثمة إحساس مؤلم بالغربة يعتصره ويذهب بأعصابه.

وأمام فيلا مسيجة بالحرس وبالسور الحديدي وأشجار البونسيانا، توقفت السيارة للحظة، ثم انفتح الباب على مصراعيه، فانطلقت الى داخل السور، ليظهر بناء داكن اللون ذو طابقين، على سلّمه الرخامي الأبيض وقف أربعة رجال، تبين فيهما أبو موسى وأبو داود، اللذين عانقاه بحرارة مهنئين بسلامة الوصول، وحاولا قدر جهدهما إخراجه من غلممة هواجسه وخوفه، وظنا أنهما نجحا.

إلا أن الليل اساكن وهمسات ليزا الملتهبة، ساعدا على تسكين روعه كثيراً، وطفق يحسو نعيم القبل، عله يطفئ براكين فكره بلظى الجسد الطامئ، وما بين ضربات النشوة الطاحنة، ودبيب الخدر بأوصاله، تناسى روفا موقعه وواقعه، وغاص يستمرئ الذاذات لعله يتوه، ويذوب في قعر الانتشاء لائذاً.

قبيل الظهيرة زاره أبو داود واثنان آخران من ضباط الموساد، واصطحباه الى شارع شاؤول، حيث يقع المبنى الرئيسي الجديد لجهاز الموساد، وكان بانتظاره مائير عاميت وكبار مستشاريه وضباطه.

لم يناقشوه في أية مسائل فنية تتعلق بعمله في العراق، أو بمسألة هروبه الى إسرائيل بطائرته، إنما انحصر حديثهم معه حول الطقس الرائع في تل أبيب، وعيد البوريم (1) الذي احتفلوا به منذ أيام. ثم تطرقوا الى الأقليات في الدولة العبرية، وكيف أن المسيحيون العرب ثاني أقلية كثافة في إسرائيل، إذ يبلغ عددهم نحو 130 ألف مسيحي، يشكلون حوال ينصف سكان الناصرة، وثلثي العرب في حيفا.

تحدثوا معه أيضاً عن حرية العبادة في إسرائيل، التي كفلها دستور الدولة لجميع الديانات، حيث يحق لكل طائفة أن تمارس عقيدتها وشعائرها، وأن يكون لها مجلسها ومحاكمها الشرعية، التي تتمتع بسلطة قانونية في إدارة شؤونها الداخلية والدينية.

وكان عاميت ذكياً بما فيه الكفاية، عندما استقدم بعض الضباط اليهود عراقيو الأصل، لحضور لقاءه بالطيار الشاب. وكان يرمي من وراء ذلك، إفساح المجال أمام روفا للتحلي بالأمان بين أناس يتكلمون بلهجته، وإبعاد أية إحساسات بالخيانة قد تهاجم أفكاره. وأضفى هؤلاء الضباط على اللقاء ألفة، هيأت روفا للقاء آخر شديد الخصوصية، كان من المهم بمكان أن يتم مساء اليوم نفسه . . في كيريا.

وتبعاً لتوصيات علماء النفس في الموساد، الذين قرأوا ملف منير روفا، وراقبوه منذ دخل الفيلا المعدّة لإقامته، ورأوا من خلال الكاميرات تفاصيل سلوكه في حجرة النوم، كان على ليزا برات ألا تفارقه للحظة، وأن تحيطه بعواطف جياشة زائدة عن الحد، في فترة هو أحوج فيها الى الحب والامتزاج، أكثر من أي وقت مضى.

لم تكن ليزا المدربة الذكية تجهل ذلك، إذ انصب تركيزها على إغراقه بمشاعر الحب، وبالعاطفة الملتهبة المشبعة بالعطاء والتفاني. وكان مدخلها الى عقله وقلبه قصة يُتْمها المختلقة، التي كان سريعاً ما تحرك مشاعره، وتثير فيه نخوة الشرقي العاطفي.

إن التحليلات النفسية للعرب التي اعتمدها الإسرائيليون، انصبت على أنهم أناس عاطفيون، يثقون بالآخرين بسرعة ويتبسطون معهم بلا تحرز، ومن السهل اقتحامهم بإثارة مشاعرهم.

وكان لدموع ليزا وهي تحكي لروفا معاناتها النفسية المزيفة، الأثر الواضح في ارتباطه بها، وتأثره أمام مشاعرها. فكان تأثره هذا مدعاة لأن يفقد تركيزه، وينساق خلف أوهام هواجسه، التي قادته الى طريق الخيانة بلا تفكير. (1) عيد البوريم: أشهر الأعياد في إسرائيل، يبدأ الاحتفال به في 13 مارس، وفي 15 مارس يصل الاحتفال الى ذروته، حيث الرقص وشرب الخمر طوال الليل في الشوارع، وما يصاحب ذلك من فسق ومجون بشكل علني وفي حماية الشرطة. ويرجع هذا العيد الى أيام السبي البابلي لليهود، حيث استطاعت استير اليهودية إنقاذ اليهود، بحثها الملك – زوجها – على العفو عنهم.
فاي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-13-2008, 06:58 AM   #69
مشرف سابق

((عـالـم تـانـى))

الصورة الرمزية فاي
افتراضي


لن يراها أبداً

دقق عاميت النظر الى ساعة يده، التي أشارت عقاربها الى منتصف السابعة مساء، عندما سأله رئيس الوزراء:
هل وضعتم حلولاً أكيدة. . ؟

أجاب عاميت المملوء بالثقة والاعتزاز:
لم نعتمد بعد خطة نهائية لتهريب عائلته، وأثق بأننا سنتدبر الأمر بحكمة.

وعلق نائب وزير الدفاع شيمون بيريز:
ستكون أروع عملياتك يا عاميت. .

فقال رئيس الأركان إسحاق رابين:
بل وأروع عمليات الموساد على الإطلاق. .

وبزهو أضاف عاميت:
في آخر حوار لي معه، قال هولمز [1]: "إنكم أناس كسالى". . ولسوف يفاجئ. .

قال مردخاي هود قائد سلاح الجو:
أخشى أن تعترضه الميج السورية فيضيع حلمنا الى الأبد. .

صاح به رئيس الوزراء:
ما فائدتك إذن يا مردخاي . . ؟ أستعلق الفشل على الآخرين. .؟ أنت في هذه الحالة تعرض نفسك للتحقيق والمساءلة، والفصل النهائي من الخدمة العسكرية، فحماية الميج العراقية، حتى وهو فوق الأجواء الأردنية، ستكون مهمتك أنت وحدك. . !!

تمتم مردخاي هود بكلمات مبهمة، عندها دخل مدير مكتب رئيس الوزراء، يخبره بوصول الضيف.

كان مكتب ليفي أشكول، عبارة عن بناية حجرية من ثلاثة طوابق، تقع بين بيوت متشابهة في كيريا، وهي المنطقة العسكرية، المحصنة في تل أبيب، التي تضم هيئة الأركان العامة للجيش، والمقر القديم للموساد.

وصل روفا برفقة كاروز وليزا وأبو داود،وعند نهاية الممر المؤدي لمكتب رئيس الوزراء، اصطف ثمانية عشر جنرالاً في شرف استقباله [2]، أدوا له التحية العسكرية. ووقف ليفي أشكول يصافح الطيار العراقي ويعانقه، وأجلسه الى جواره وهو يقول مبتسماً:

مرحباً بك في وطنك. .أراهن على أنك ستحب إسرائيل أكثر من أي مكان آخر .

تولى عاميت بنفسه تقديم رجالات الجيش الى روفا، بالإضافة الى جون هادن – مدير الـ C.I.A. في تل أبيب – الذي دعي لحضور اللقاء.

وبعد كلمات التعارف والترحيب، غادر الجميع المكتب الى حجرة جانبية ملحقة، تاركين روفا وعاميت وأبو داود مع رئيس الوزراء. وقال أبو داود متوجهاً بعبارته الى الضيف:
وعدتك سيدي النقيب في باريس أن تلتقي بالسيد رئيس الوزراء.. وها أنا ذا أنبر بوعدي لك. .

هتف ليفي أشكول في بشاشة:
إنه ليوم طيب بالنسبة لي. .

وملتفتاً الى عاميت:
إن ما وعدتموه به أمر لا يقبل المناقشة. .

وهو ينظر الى روفا:
أعدك بشرفي . . كن متأكداً. . فنحن نضحي لإرضاء أصدقائنا المحبين لإسرائيل. . كن متأكداً (ونطقها هذه المرة "بالعبرية" : هايه نا بطواح).

قال عاميت:
سيدي الرئيس .. إن النقيب روفا رجل شجاع ومخلص.. لقد وثق بنا وستكون ثقته في محلها.. وسيلقى منا كل رعاية.

رد ليفي أشكول:
نعم. . نعم.. ونحن نقدِّر له شجاعته وإخلاصه أيما تقدير.

انضم الآخرين بعد ذلك للقاء الذي استغرق نصف الساعة، وخرج روفا من مكتب رئيس الوزراء، مطمئن البال على المكافأة التي وُعد بها.

وعلى مدار خمسة أيام في إسرائيل، اجتمع به خلالها مردخاي هود قائد سلاح الجو، حيث صحبه الى القاعدة الجوية التي سيهبط بها، وتناقشا معاً حول المسائل الفنية المتعلقة بالممر الجوي، والارتفاع فوق الأجواء الأردنية، والتردد اللاسلكي، وأسلوب التعامل – كاحتياط – مع الطيران السوري في حالة تدخله، والسرعة اللازمة لتفادي الاحتكاك والمواجهة. كذلك شرح له كيفية مباغتة زملائه الطيارين العراقيين، والهرب منهم باتجاه الأردن.

بعد ذلك طُوِّف به في أنحاء تل أبيب، حيث شاهد المسارح والملاهي والحدائق، وعلى مسافة عشرة كيلو مترات – في مستعمرة بات يام – اختار بنفسه فيلا حديثة الطراز تطل على البحر، لتكون سكناً له ولأسرته في إسرائيل، لكنه عندما زار مدينة ريشون ليتسيون – أول مستعمرة يهودية على أرض فلسطين – غيّر رأيه، فالفيلات البديعة ذات الأسوار والحدائق، كانت مثار دهشته وإعجابه. وعلق على ما رآه قائلاً:

كنت أعتقد بأن إسرائيل أرض صحراوية جدباء . . ولكن .. الآن عرفت أنها "الجنة" الخضراء على الأرض.

كان حتى تلك اللحظة يعرف أن ليزا بريطانية تحبه، ولم يكن في صالح الإسرائيليين أن يظن غير ذلك، فانكشاف هويتها الحقيقية، سيصيبه بانتكاسة لا محالة، نتيجة الخدعة الطويلة التي صدّقها.

لذا فقد أبقى الأمر سراً، وتعامل الجميع مع ابنة الموساد على أنها ضيفة انجليزية، واختاروا لها – حسب رغبته – فيلا أخرى تقع على مقربة من مسكنه، لكي تبقى الى جواره في إسرائيل.

وفي صباح الأول من مايو، غادر "عزرا موران بارزكاي" تل أبيب، بطائرة العال الإسرائيلية الى باريس، ترافقه حبيبة الفؤاد، التي أكدت على أنها ستبقى معه بفرنسا الى أن يسافر الى العراق، ثم تعود الى إسرائيل ثانية لتنتظره بفيلتها.

وقبلما يغادر روفا تل أبيب، سلّم عاميت قائمة بأسماء "21" فرداً، هم أفراد عائلته، وعائلة زوجته، الذين سيتم تهريبهم خارج العراق يوم هربه بالطائرة الميج. وضمت القائمة والداه وأخوته الثمانية، وزوجته وولديه، وحمواه وأولادهما الستة، وسجل رسائل صوتية لهم، وكتب رسائل مذيلة بتوقيعه، يطلب منهم مرافقة حامل شريط الكاسيت أو الخطاب، دون سؤاله عن وجهته، أو معارضته.

كذلك تم ترتيب أسلوب الاتصال به حين طلبه ذلك، بعدما يتم نقله الى قاعدة الرشيد الجوية، وعندما يحدد المواعيد المقترحة بفراره.

أمضى روفا يومان في باريس بصحبة عميلة الموساد، أذاقته خلالهما مالذ وطاب من المتعة، وأكدت له كل لحظة أن حياتها ابتدأت معه، وفي إسرائيل سينعمان معاً بالدفء، والحياة الرائعة الزاخرة بالسعادة.

وفجر الثالث من مايو 1966 طار روفا الى بغداد، يحدوه الأمل في العودة ثانية لأحضان حبيبته، حيث لن يفارقها هذه المرة الى الأبد، أما ليزا برات، فكانت تضحك في نفسها، ذلك لأن مهمتها قد انتهت، ولن ترى روفا بعد ذلك أبداً. . وعادت فوراً الى تل أبيب تنتظر مهمة جديدة .. مثيرة.. !!

[1] كان ريتشارد هولمز رئيس المخابرات الأمريكية C.I.A. يرى أنه من الأفضل عدم توريط الولايات المتحدة في عملية اختطاف طائرة ميج 21 سوفييتية، تسيء الى مركز أمريكا المنشغلة بالحرب الباردة مع الروس. كان هذا أيضاً رأي سلفه جون ميكون، الذي عمل جاهداً على تسهيل مهمة الموساد، أثناء تواجد الطيارين العراقيين في تكساس، دون أن يزج بالمخابرات الأمريكية في العملية تحسباً لأي خطأ، يشعل أزمة دبلوماسية تكشف وجه أمريكا القذر.

[2] يبدو أنه تقليد متبع، فقد استقبلت بعد ذلك الجاسوسة المصرية هبة سليم بعشرة جنرالات أمام مكتب جولدا مائير، وكانت طائرتان ميراج حربيتان قد رافقتا طائرتها حتى المطار كما يحدث مع الملوك ورؤساء الدول. (أنظر كتابنا: جواسيس الموساد العرب).

انحرف بطائرته ناحية الغرب ..

منطلقاً بأقصى سرعة ..

مستخدماً المحركات الصاروخية المساعدة . .

فابتعد كثيراً عن زميله في الطائرة الأخرى . .

وتجاهل نداءاته عبر اللاسلكي ..

منشغلاً بضبط التردد الذي يمكنه من الاتصال بالإسرائيليين . .

لكنه فشل . .

ومع ذلك واصل اندفاعه. . !!
فاي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-13-2008, 06:59 AM   #70
مشرف سابق

((عـالـم تـانـى))

الصورة الرمزية فاي
افتراضي


طياري الميراج الجبناء .. !!كانت لدى مائير عاميت خطة واحدة، لا بديل لها، لإخراج عائلة روفا من العراق، حال تأكده من إيجاد الفرصة المناسبة. والخطة تعتمد ببساطة شديدة على أذون مزورة بإحكام، بمغادرة "21" فرداً الى إيران للاصطياف. (وليس كما روّج الإسرائيليون بعد ذلك، وسنتناول كل هذه الادعاءات الكاذبة في حينه).

تقدم منير روفا لقيادته بالأوراق الطبية – المزيفة من قبل الموساد – تفيد بأن صداع الرأس HEAD ACHE الدائم هو نتيجة معاناة نفسية منشؤها القلق، مطالباً بضرورة نقله الى بغداد، حيث يعاني والده من عدة أمراض، والأمر يستدعي ضرورة تواجده الى القرب منه.

اقتنع الأطباء العسكريون بما جاء بالتقرير، وجاءت التأشيرة الطبية توصي بنقله، تجنباً لإصابته بالانهيار العصبي BREAK-DOWN. واستغرق بحث التوصية طوال شهري مايو ويونيو، وفي آخر يونيو أخبر بأن هناك كشوف ترقيات ستعلن خلال أيام، ورد اسمه بها، وعندها سيتم نقله على الفور الى بغداد.

وفي 13 يوليو حصل على أجازة لمدة أسبوع، وحاول خلاله إفهام أسرته وأسرة زوجته مريم، بأنه ينتظر النقل الى قاعدة الرشيد الجوية، لظروف الصداع التي كان قد أقنعهم بها، وفي هذه الحالة سيأخذهم جميعاً، على نفقة الدولة، لقضاء عدة أيام على شاطئ بحر قزوين في إيران، وأوصاهم بعدم إعلان ذلك تحت أية ظروف، لأنه أبلغ أسماؤهم فقط لقيادته، ولن يسمح باصطحاب آخرين.

كان منير روفا قد تأهل نفسياً للقيام بمهمته، وينتظر اليوم الذي يجمعه بليزا، بفارغ الصبر، حيث يستطيع، وهو يمتلك مليون دولار، أن ينفق عليها بسخاء، فترى فيه الى جانب فحولته رجلاً آخر سخياً كريماً.

ذات ليلة. . أراد أن يستطلع رأي زوجته، فأظهر تبرمه من الحياة بالعراق، مبدياً رغبته في اصطحابها مع الأولاد للحياة الدائمة في باريس. ضحكت مريم قائلة إنها تتمنى ذلك، وستكون معه في أي مكان.

وعلى حين فجأة صدر في 25 يوليو قرار ترقيته الى قائد سرب، الأمر الذي شجعه على استعجال طلب نقله، وتم ذلك بالفعل في 4 أغسطس. فذهب من فوره الى قاعدة الرشيد الجوية، وتسلم عمله، وبدأ العد التنازلي للعملية 007.

في 6 أغسطس نشر إعلاناً بجريدة الثورة، عن فقد مظروف أبيض متوسط لاحجم، به تقارير طبية هامة، وكان رقم التليفون به خطأ متعمد.

وفي تمام السابعة مساء دق جرس التليفون بشقته:
آلو . .
نعم . .
حرضتك صاحب الإعلان. .؟
نعم. .
أنا المهندس شاكر.. والمظروف عثر عليه ابني بالأمس..
أشكرك جزيل الشكر . . متى أستطيع مقابلتك.. ؟
كيفما ترى..
الساعة العاشرة مساء الغد بشارع الحمادي .. أمام محل أورفو. . أيناسبك الوقت والمكان..؟
لا مانع. .
هل بالإمكان تمديد الموعد ساعة أخرى إن كان هذا يناسبكم؟..
لا بأس يا سيدي . . مع السلامة.

هذه المكالمة (1) البريئة جداً في ظاهرها، حوت رسالة شفرية بالغة الأهمية، كان قد تم الاتفاق عليها مسبقاً في إسرائيل.

المهندس شاكر = "كلمة السر".
الساعة العاشرة = أي رقم (10) مضاعفاً، ويطرح عدد (3) قبل التضعيف.
مساءً = صباحاً.
الغد = هذا الشهر.
شارع الحمادي = قاعدة الرشيد الجوية.
محل أورفو = إخراج العائلة من العراق.
تمديد ساعة = مهلة ساعة.

وببساطة شديدة، فترجمة الحوار الشفري كالتالي:

سأطير ابتداء من يوم 10 الى 20 أغسطس، من قاعدة الرشيد، ما بين السابعة الى الثامنة صباحاً، ومطلوب الإسراع بنقل العائلة خلال هذا التوقيت.

انقلبت الموساد الى خلية نحل، فالرسالة التي بثها عميلهم السري في بغداد كانت مدوية، لذلك طُلب منه إعادة بثها مرة ثانية ففعل، وجاءت كما هي في المرة الأولى بلا أخطاء.

استدعى عاميت على الفور الجنرال مردخاي هود، قائد سلاح الجو، ونقل اليه تفاصيل الخبر العاجل، فكاد هود أن يطير فرحاً، أما ليفي أشكول فقال "لن ينسى لكم التاريخ ذلك".

اجتمع هود بكبار ضباطه ومعاونيه، وتشاوروا حول القاعدة الجوية التي سيهبط بها روفا، من حيث طلعات أسراب طائراتها الروتينية، ووقت طيران روفا، والطيارين الذين يضمهم جدول الطلعات، ومدى تماسكهم أمام ظهور الميج 21 أمامهم، إذ كانوا يرهبونها لكثرة الأساطير التي حيكت عنها، وكان من بين الطيارين المقرر طيرانهم الروتيني خلال ذلك التوقيت، النقيب "موشيه ران" بطل الألعاب الجوية في الاحتفالات القومية، وهو طيار محترف مندفع، مغامر لحد الجنون.

وفي إسرائيل صدرت الأوامر لعملاء الموساد في العراق، بالإسراع في نقل عائلة روفا الى إيران، وأحيط أيضاً عملائهم في إيران بالأمر، وأجريت اتصالات مع رجال السافاك، لتسهيل خروج العائلة جواً الى إسرائيل.

كانت عقارب الزمن تتحرك ببطء، والأعصاب المرهقة المشدودة في غليان فوار، وابتداء من 8 أغسطس وطياري الميراج يقتربون كثيراً من الأجواء الأردنية، ما بين السابعة والثامنة صباحاً، دون أن يعرفوا سبباً لذلك.

ومساء اليوم التالي أقام مردخاي هود إقامة كاملة في قاعدة حاتسريم الجوية، واستيقظ صباح يوم 10 أغسطس مبكراً، واجتمع الطيارين وقال لهم:

هناك طائرة ميج 21 تحمل الشارات العراقية. .ستقترب من أجوائنا عبر الأردن. .إنها طائرة مسالمة لا تصيبوها بأذى. .نحن نريدها سليمة. . ولسوف يتبعكم قائدها بلطف الى هنا. .أكرر. إياكم والحماقة. . لا أريد تهوراً من أحدكم. .ولا تترعجوا من العلم العراقي على دفّتها. . أو الصواريخ أسفل جناحيها.

وما إن أقلع سرب الميراج الى السماء، حتى انطلق صوت هود في اللاسلكي:

أنا قائدكم مردخاي هود. . أعرف أنكم تحفظون صوتي جيداً. .لا أريد منكم تصرفاً صبيانياً. . أريدكم عقلاء كما أتوسم فيكم. .كونوا هادئين بلا انفعال. .

وتكرر هذا النداء صباح اليوم التالي . .والذي يليه .. و .. .

(1) قد يتساءل البعض: لماذا لا يكون هناك لقاء بين عميل الموساد ومنير روفا بدلاً من مكالمة شفرية قد يشوبها خطأ ما. .؟ وللإجابة نقول: إن هذا التصرف من صميم عمل أجهزة الاستخبارات. فالموساد تتوقع كافة الاحتمالات إذ قد يكون في الامر خدعة ما ويعتقل عميلها المدرب لوشاية من روفا (الغير موثوق به حتى تلك اللحظة) أو قد يكون تليفونه مراقباً فيعتقل الاثنين معاً، أو قد يكون عميلهم مكشوفاً للمخابرات العراقية، وترك حراً تحت المراقبة لاصطياد شركائه.
فاي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-13-2008, 07:01 AM   #71
مشرف سابق

((عـالـم تـانـى))

الصورة الرمزية فاي
افتراضي


الحصار في طهران . . ! !كانت السيارة الجيب العسكرية تذهب غالباً في الصباح الباكر الى بيت روفا، وتعيده مرة أخرى عند العصر. وفي 11 أغسطس أخبر أهله وأهل زوجته، بالاستعداد للسفر الى إيران فجر 13 أغسطس (1)، حيث سيتحركون بالباص مع أحد زملائه، بينما يطير هو الى طهران برفقة قائد عراقي كبير، ليمكث معهم عدة أيام على الشاطئ.

وفي 12 أغسطس ودع روفا أهله، بدعوى أنه في مهمة سرية مع القائد العام، ولن يراهم إلا في إيران بعد أيام، وأوصاهم جميعاً بمرافقة زميله، وتنفيذ ما يطلبه منهم لأجل سلامتهم وأمنهم. وحمل حقيبته الصغيرة متجهاً الى قاعدة الرشيد، بنية الابتعاد عن أفراد أسرته حتى يطمئن على سفرهم أولاً، ومن ثم يطير من بعدهم الى إسرائيل.

لقد زُوِّد كقائد سرب بوقود يكفيه لمسافة ألف كيلو متر، وتبلغ المسافة بين قاعدتي الرشيد في العراق وحاتسريم في إسرائيل نحو تسعمائة كيلو متر، معنى ذلك أن الطائرات السورية لو تصادف وطاردته، فوقوده سوف ينفذ في الجو لا محالة.

لذلك . .كان المطلوب لإنجاح خطة هروبه الارتفاع الشديد أثناء الطيران لتقليل استهلاك الوقود، والإفلات السهل من السوريين وصواريخهم الأرضية. أما الأردنيون فقد كانت دفاعاتهم متواضعة، إضافة الى خلو سلاحهم الجوي من الميج 21.

وصباح الثالث عشر من أغسطس، توقف الباص أمام بيت روفا، وركبت مريم وولديها، واتجه بهم الباص الى المستنصرية حيث والديه وأخوته، فركبوا جميعاً، وعند أهلها في الأعظمية اكتشفت وقوع حادث لوالدها، إذ انزلقت قدمه على الدرج فالتوت وتورمت، ووافق أربعة فقط من أخوتها – شاب وصبي وفتاتين – على السفر معها.

سويعات قليلة وعبر الباص البوابة العراقية بالأذون المزيفة، بداخله سبعة عشر فرداً من أهل روفا، إضافة الى قائد الرحلة، الذي كان في حقيقة الأمر أحد عملاء الموساد في العراق.

عاد روفا الى شقته وعرف بما حدث لوالد زوجته، فغضب كثيراً، وفي السابعة مساء دق جرس التليفون:

آلو . .
نعم . .
أنا المهندس شاكر. .
اتصلت بك سبعة عشر مرة لأطمئن عليك . . (إشارة الى عدد أفراد أسرته). .
أنا بخير . .وما أحوال أسرتك. .؟ (يقصد أسرته هو)..
إنهم بأحسن حال . .ويتشوقون اليك. .
متى ستأخذهم الى بيت العائلة . . ؟ (يقصد إسرائيل)..
ليس قبلما تسبقهم أنت أولاً. . (أي أنهم سيطيرون بعد وصولك لإسرائيل بالميج 21).
سأقضي معكم إذن ستة عشر يوماً لا أكثر . .!! (أي أنه سيهرب بالطائرة يوم "16" و "لا أكثر" نافية للتضعيف.)..
إننا جميعاً ننتظرك . . (ننتظرك في إسرائيل). .
لن أتأخر عن ميعادي. . !! (أي أن يوم 16 هو لحظة الصفر). .
هل أجازتكم حقاً "16 يوماً". . ؟
نعم . . 16 يوماً . . (لتأكيد الميعاد).
سنجهز لك وليمة رائعة . . (سيكون هناك استقبال حافل).
أنت تعرف الأصناف التي أحبها. . (يقصد أنه لا يريد سوى ليزا. . ولأنه عميل مقيم بالعراق لم يفهم ما يقصده. . لذلك أجاب):
ستسر جداً يا صديقي بيننا . .الى اللقاء. .
الى اللقاء ..

نزلت مريم وبقية أفراد الأسرة، حسبما أراد مرافقهم، بأحد فنادق طهران، وكانت قد تعجبت من أمر ذلك التغير الذي طرأ على الرحلة، فقد كان المخطط البقاء على بحر قزوين لا في العاصمة. وأمام تساؤلاتهم الملحة، لم يكن المرافق يجيب سوى برسالة روفا الى زوجته، التي يطلب فيها أن تطيع الرجل ولا تكثر من الأسئلة.

أمر هذه الرسالة ذات الأوامر كان يشعرها بإحساس غامض، يقترب بها من حافة الشكوك والريب. وضاعف من قلقها تلك الوجوه التي تحيط بهم داخل الفندق، وأثناء تجوالهم في الحدائق والأسواق.

بقية أفراد الأسرة – أخوة منير وأخواتها – لاحظوا مثلها تلك التصرفات أيضاً، وتحدثوا فيما بينهم، حتى إذا ما أنهكهم تفسير ما يروه، انكبوا على مريم يسألونها، ويستفسرون عن سبب بقائهم في طهران، فكانت تقول اسألوا منير عندما يجيء.

وفي 15 أغسطس كان منير قد استُهلك عصبياً، وأخذ يأتي بتصرفات لا إرادية غريبة، فتارة يضحك عالياً ويقهقه، وتارة أخرى يتجهم لوقت طويل ملتزماً الصمت. وشوهد طوالاً يحادث نفسه، مصدراً أصواتاً هوائية مبهمة، مفضلاً الانعزال بعيداً عن زملائه. وعند المساء أغلق عليه باب حجرته مبكراً، وقضى ردحاً من الزمن في سهوم وتفكير.

بعد ذلك قام الى دولابه وأخرج أوراقاً وقلماً، واشنغل بكتابة رسائل لأصدقائه، لكنه تخوف من أن يؤدي ذلك الى حرمانهم من الطيران، فمزق أوراقه وحرقها، وانفرد بنفسه في الشرفة لقرب منتصف الليل، ثم أوى الى فراشه موهماً نفسه بسعادة كاذبة، لقرب لقاءه بالحبيبة ليزا، لكن تفكيره في المليون دولار كان يشغله في الحقيقة أكثر وأكثر. .

ونام روفا نوماً متقطعاً، مضطرباً، تخللته أحلام منغصة عن انكشاف أمره واعتقاله، وضياع حلم الإثراء الفاحش، والعشيقة المتيمة.

ومع انبعاث صوت آذان الفجر من مسجد القاعدة الجوية القريب، هب من فراشه كالملسوع، وارتدى على عجل ملابسه الرياضية، وأسرع بالخروج. . !!
فاي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-13-2008, 07:02 AM   #72
مشرف سابق

((عـالـم تـانـى))

الصورة الرمزية فاي
افتراضي


نهاية المدفون حياً . . !!

عندما تأكد لرجال الموساد في إيران وصول روفا الى إسرائيل، أعلنوا الخبر لزوجته ووالديه، وأخبرهم بأن طائرة إسرائيلية في الطريق الى طهران جاءت لتقلهم الى تل أبيب.

صرخت مريم غير مصدقة، وصرخ أخوة روفا وأخوتها، بينما وجم أبواه في البداية ثم انهارا في بكاء أليم.

وفي حين أصرّت مريم أن تحادث روفا تليفونياً، تمسك أخوتها الأربعة بالعودة الى العراق، بالرغم من محاولات تخويفهم من قسوة ما سيلقونه من تعذيب في بغداد، على إيدي المخابرات العراقية.

وأمام إصرار مريم لم يكن هناك من بد من إتمام ذلك، ومن مقر الموساد في بئر سبع حدث الاتصال بإيران:

روفا:
آلو

مريم:
منير . . ماذا حدث. . ؟ "كانت تبكي في صراخ".

روفا "وقد تهدج صوته":
أنا في إسرائيل يا مريم . . تعالِ. .تعالوا كلكم لأن العراقيين سيفتكون بكم. .ويمثلوا بأولادنا يا مريم .. و ..

مريم "كان صراخ ولديها وَمَنْ حولها مسموعاً":
ماذا فعلت في العراق. . ؟ روفا "وقد أوشك على الانهيار":
لا تضيعون الوقت. . لقد هربت بالطائرة ولن تستطيعوا العودة. .

مريم "صرخت في هلع":
هربت بالطائرة. . ؟ أيها المخبول ضيّعتنا . .ضيّعتنا. .

"صراخ هستيري من الجميع".

انتهت المكالمة بانهيار الطيار الهارب، وأوشك عاميت أن يأمر باستدعاء ليزا على وجه السرعة، بيد أنه تريث في اللحظة الأخيرة حتى لا يبدو كاذباً، إذ أخبر روفا بأنها في زيارة لأختها المريضة في أستراليا. وجاهد أبو داود باستماتة لكي يعيد روفا الى هدوئه، منفرداً به وحده في ركن قصي.

وبحديثه التمثيلي المؤثر استطاع السيطرة على الشاب المذعور، بل وأقنعه بمواجهة كاميرات الصحفيين وأسئلتهم، لكي يبدو ثابتاً وبأعصاب سليمة، أمام العراقيين.

عمت البهجة جهاز المخابرات المركزية C..I.A.، وأقلعت من نيويورك طائرة تقل 50 خبيراً في هندسة الطيران، لفحص الطائرة الميج 21 في إسرائيل. تزامن ذلك مع وصول الملحقين العسكريين الى قاعدة حاتسريم، ووقف الملحق العسكري الفرنسي – الكولونيل كاترو – في حالة هي أشبه بالذهول الكامل، وكل ما تفوه به هو أنه قال:

مدهش . .إنها ممشوقة القوام Elle a la taille svelte .

وهتف الملحق العسكري الأمريكي وهو يتحسس الطائرة:
أنا أول أمريكي يلمس هذه الجوهرة. (1)

أما الميجر تومبسون الملحق العسكري الإنكليزي، فقد وقف يتأملها مصعوقاً. .وأخذ يتمتم بكلمات غير مفهومة.

وفي القاعة المعدة للمؤتمر الصحفي، كان التزاحم شديداً لصحفيين ومراسلين من كل أنحاء الدنيا، الى جانب طاقم التليفزيون الإسرائيلي من فنيين ومذيعين، وجنرالات الجيش ببزّاتهم ذات الشارات اللامعة، وقد رسموا ابتسامات الزهو فغلفت وجوههم، مستسلمين للأسئلة التي انهالت عليهم كالمطر:

كيف حصلتم على الطائرة. . ؟ هل جاءت مصادفة أم بعملية مخابراتية. .؟ هل جاءت بأسلحتها أم كانت خيالية من السلاح. . ؟ هل اختطفتها طائراتكم وأجبرتها على الهبوط بإسرائيل. . ؟ ما عمر الطيار تقريباً. .؟ و . . . . .. . و . . . . . .

بطبيعة الحال، لم يكن مصراحاً لهم بالإجابة عن أية أسئلة، ففي الكواليس الإسرائيلية تطبخ المسائل بما يخدم أغراضها. لذلك بقيت عقول المتواجدين بالقاعة تلهث بحثاً عن إجابات، الى أن دخل منير روفا محاطاً بعشرات الضباط العسكريين، فومضت مئات الفلاشات المتحفزة، وسلطت الكشافات المبهرة بقوة، وارتبك الطيار العراقي الذي تم تلقينه الإجابات بالداخل، وانصبت عليه فيضانات الأسئلة، فازداد ارتباكه وارتجف فكه السفلي هذه المرة بوضوح شديد، أما أطرافه فلم يعد بإمكانه الإحساس بها، ولمحه عاميت المستتر بعيداً لا أحد يراه، فأمر بسحبه الى الداخل في الحال.

ولما فشل في إعادته مرة ثانية الى القاعة، بسبب التدهور الحاد الذي أصاب تماسكه، وبكاءه المتصل وهياج ردود أفعاله، كان هناك حل آخر بُدء في تنفيذه على الفور.

دخل القاعة الناطق الرسمي بلسان الجيش الإسرائيلي – سهيل بن زفي – وكان يمسك بورقة بيضاء، ادعى بأنها رسالة بعث بها منير روفا الى إسرائيل، عندما كان بباريس في أبريل الماضي، يبلغهم فيها برغبته في اللجوء الى إسرائيل، هرباً من الاضطهاد الذي يعامل به المسيحيون في العراق، وبسبب التمييز المذهب ضد أكراد الشمال، وأخذ يقرأ بضع فقرات من الرسالة.

هكذا فكر ونفذ عاميت، لتشويه وجه الحكم في الدول العربية، وإظهار الأقليات بها بصورة مغايرة للحقيقة، وللتدليل أمام وسائل الإعلام العالمية، أظهر بأن الطيار الهارب من جحيم العراق، ما فر بطائرته إلى إسرائيل إلا لثقته في ديمقراطيتها، واحترامها للأديان.

وبواسطة طائرة هليوكوبتر، أُخذ منير روفا الى الفيلا التي اختارها لنفسه في ريشون لتسيون (1)، ووصلت من طهران الطائرة التي أقلت أهله، بينما تسلمت السفارة العراقية أخوة مريم الأربعة، وأعادتهم على كفالتها الى بغداد.

كان العراقيون يعرفون أن لا ذنب لكل من يمت للطيار الخائن بصلة قرابة أو صداقة. وأدركوا بعد فوات الأوان أن روفا تم تجنيده أثناء رحلة باريس، وأن يوسف منشو، الذي هرب بجلده الى إسرائيل، كان اليهودي القذر الذي ساعد في خيانته. .

وفي إسرائيل كانت المواجهة عصيبة بين روفا وزوجته وبقية أسرته، فالمأزق الذي وضعوا فيه كان أكبر من مدى استيعابهم، وأحس غالبيتهم بمدى غبائهم، حينما وافقوا على السفر إليه في إسرائيل. وكانت أمه أشد الرافضات لغدره ومن بعدها أختيه، أما أبوه فكان على قناعة بأنها "ضربة حظ" سترفع كثيراً من شأنهم. فالمليون دولار، مبلغ خيالي أدار عقله، وسلبه نعمة التفريق بين الحلال والضلال، وبين الإثراء والخيانة، وكان كثير الثناء على ابنه الخائن وتصرفه "السليم" في مواجهة الفقر، وتأمين مستقبل مضمون للجميع.

مريم هي التي بوغتت، فمع مكالمة منير الهاتفية فقدت الوعي ونقلت الى عيادة مجاورة للفندق، وبقيت على حالها لساعات وما أفاقت إلا وهي بالطائرة الإسرائيلية، تطير غصباً عنها لإسرائيل. ومن حولها كان ولديها وشقيقات زوجها وأمهم ينتحبون، ويجهشون بالبكاء طوال رحلة الطيران.

ولخوفهم مما كان سيجري لهم ببغداد – حسبما أُبلغوا – وأمام الأمر الواقع، خضعن، وبحلقومهن غصّة مشبعة بالوجيعة، وبقلوبهن وخز كالإبر.

تسلم روفا شيكاً على بنك هاتسوفيه الإسرائيلي بمليون دولار، وبعدما طال بحثه عن المعشوقة ليزا دون جدوى، اكتشف أن المسألة منذ بدايتها كانت خدعة كبرى، رتبت بإحكام لاختطاف الطائرة، وما كانت ليزا سوى اسم وهمي لإحدى عميلات الموساد، قامت على تصيده والسيطرة عليه بدعوى الحب. . هذه الخدعة الخبيثة جعلته يحتقر ذاته، وما كان له إلا أن ينسى ليزا فلا طريق أمامه دون ذلك.

ولأنه وقع في المصيدة، مضطر للاندماج شيئاً فشيئاً داخل نسيج المجتمع اليهودي، ورفضاً استلام جواز سفر إسرائيلي باسم جديد، كذلك فعلت بقية أسرته، حيث كان الخوف – وما يزال – يسيطر على عقله، وقال لهم في يأس:

"لست بحاجة الى جواز سفر . . لأنني دفنت نفسي ها هنا حياً. . الى الأبد" . .

هكذا عاش الخائن مرعوباً بين أعداء وطنه وأمته، لا يحس بالأمن ليلاً أو نهاراً، ويرى الاحتقار بادٍ على وجوه من يعرفونه أو يحيطون به، ولا يلقى منهم أي احترام أو تقدير. فقد كانوا يعرفون أنه جبان، خائن، باع وطنه بثمن بخس، وأن من باع وطنه فلا أمان له ولا عهد.

كيف إذن يعيش الخونة العرب في إسرائيل . . ؟ وكيف يعاملون . .؟ وهل يثقوا بهم هناك. .؟

(1) بعد أيام قليلة من الاستيلاء على الميج 21، أهدتها إسرائيل الى الولايات المتحدة لتفحصها وكشف أسرارها. وفي الحقيقة كانت الطائرة من طراز معدل أدخلت عليه بعض الإضافات، واستطاع الأمريكان فهمها وتبين نقاط قوتها، وتحسين أداء طائراتهم الفانتوم وسكاي هوك، واستفادوا من العقلية السوفييتية في تطوير صناعة طائراتهم الى حد كبير. .وعندما قامت حرب 1967 كانت الطائرات الأمريكية التي لدى إسرائيل، مزودة بإمكانات هائلة حديثة مكنتها من التفوق الجوي، والاشتباك الجوي مع الطيران العربي دون خوف من مواجهته.
فاي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-13-2008, 07:10 AM   #73
مشرف سابق

((عـالـم تـانـى))

الصورة الرمزية فاي
افتراضي


ختام لا بد منه

الكتب التي تصدر – عن قصد – من إسرائيل . .

للترويج لعبقرية جهاز الموساد . .

يجب أن تمنحنا فرصة التدريب العقلي . .

لفحص ضلالات الكذب . .

ومعرفة حدود الحقيقة في الخيال . .

وذلك بقياس الأدلة المعلنة . .

والوقائع المعروفة . . ! !


الخاتمة
واكب حادثة هروب منير روفا بطائرته الى إسرائيل، دعاية مغلوطة لقصص خرافية روجت لها الموساد، لإضفاء صفة الإعجاز على عملياتها، التي درجت الدعاية على نعتها بالأسطورية الخارقة.

وأستطيع أن أؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن مزاعم الإسرائيليين التي جاءت بصور مختلفة عن العملية 007، كلها محض خيال وأكاذيب، قصد من ورائها الترويج لبطولات زائفة هشة، وتوظيف "بروبا جندا" الإشاعات لإثارة الخيال، والإساءة المغلفة لأجهزة المخابرات العربية ولعقول رجالاتها، التي أنهكت مخابرات إسرائيل في عمليات بارعة ذكية، لا يملك العرب صراحة أساليب الدعاية الكافية لنشرها بكل اللغات، فضلاً عن أن مخابراتنا تنأى عن كشف أسرارها، وتلتزم الصمت إزاء العديد من العمليات التي تقوم بها، حرصاً على الأمن القومي، وسرية عملها الاستخباراتي وأساليبه.

ففي مصر وحدها يعيش العديد من العملاء من الأجانب والإسرائيليين، الذين جندتهم مخابراتنا وعملوا داخل كيان الدولة العبرية لسنوات طويلة، تمت مبادلة بعضهم، والبعض الآخر جاءوا الى مصر بمحض إرادتهم، بعد انقضاء مدة عقوبتهم في سجون إسرائيل، كلهم يلقون الأمن والاهتمام والرعاية بين المصريين.

وهل يتذكر أحد منكم اسم "إسرائيل بير". . ؟ لقد كان أحد الكبار في إسرائيل، أوكل اليه رئيس الوزراء ديفيد بن جوريون كتابة تاريخ حرب 1948، وعمل مستشاراً لبن جوريون نفسه، وكان مكتبه في وزارة الدفاع بجوار مكتبه. واتضح فيما بعد أنه جاسوس يعمل لصالح المصريين، وحكم عليه عام 1962 بالسجن ومات بعد أربعة أعوام من سجنه.

وهناك كيبوراك يعقوبيان الذي عاش في إسرائيل باسم إسحاق كوكوك، وعمل في الجيش الإسرائيلي الى أن تم اكتشافه، واستلمته مصر عام 1966 في عملية مبادلة.

أيضاً مردخاي كيدار، وشموئيل باروخ، وأليسبياديس كوكاس، وأورليحت شنيفت، أو أولريتش، وتيودور كروس، والكسندر بولين، كلهم عملوا لصالح المخابرات المصرية ضد إسرائيل، بخلاف القائمة الطويلة من العملاء الشرفاء، من المصريين والعرب.

إن قصص العملاء الذين عملوا مع المخابرات العربية ضد إسرائيل، أكثر من أن تحصى، تتناثر بعضها هنا وهناك، وجاء أغلبها في كتب الجاسوسية التي تنشرها إسرائيل، بشكل مضلل، هذه القصص تلقى التجاهل من وسائل إعلامنا، وكُتّاب الجاسوسية الذين "انقرضوا" هرباً من الكتابة في هذا الاتجاه البالغ الصعوبة.

ونعود ثانية لتفنيد مزاعم الإسرائيليين وأكاذيبهم، حول حادثة هروب الطيار العراقي منير روفا، وسنكتشف معاً التخبط الذي جاء بمصادرهم وكتبهم، وهو الدليل الذي ساقوه الينا لنحكم بأنفسنا على تفاهة هؤلاء الأغبياء، أدعياء العمليات المخابراتية الأسطورية الخارقة:

• زعموا كذباً في بعض كتبهم أن عملية تجنيد روفا تمت في بغداد بواسطة عميلة أمريكية. عندما أبدى لصديقه يوسف رغبته في الهرب لإسرائيل. وأنه سافر الى روما مع العميلة ومن هناك الى تل أبيب للاتفاق، ثم سافر بعد ذلك الى باريس ليخبرهم بالموعد المقترح للهرب. (!!)

• زعموا كذباً في كتب أخرى أنه جُند في فلوريدا بأمريكا، أثناء دورة تدريبية له هناك. (!!)

• زعموا كذباً أيضاً أن عائلته تم تهريبها في عدد (2) أتوبيس بواسطة أكراد العراق الذين سهلوا لهم العبور الى إيران. . وهذا مستحيل لأن الهرب عن طريق جبال كردستان بأتوبيس معناه الموت الأكيد لاحتمالات لا حصر لها كالأعطال ونقص الوقود والمؤن والسقوط من المرتفعات الشاهقة، فضلاً عن جهل عائلة روفا بالأصل بنوايا هروبه. (!)

• وزعموا في روايات أخرى أن عائلته وأقاربه تمكنوا من الهرب الى إيران يوم هربه ثم طاروا بعد ذلك الى إسرائيل (أي أنهم كانوا على علم بخطة هروبه). (!)

• قالت المصادر الإسرائيلية أن منير روفا يهودي عراقي، أبدى رغبة في الهرب بطائرته مقابل نصف مليون دولار. (!!)

• مصادر أخرى زعمت أنه مسيحي أرثوذوكسي، جندته عميلة أمريكية أرسلت الى بغداد.

• ادعت مصادرهم أيضاً أن الملحق العسكري الأمريكي في بغداد، أقنعه بالهرب الى تركيا لأن الطائرة ستأخذها أمريكا. (!!)

• قالت مصادر إسرائيلية أيضاً أنه هرب الى تركيا ومنها الى إسرائيل. (!!)

• مصادر أخرى قالت أنه هرب الى إسرائيل عن طريق الأردن، وأن الأردنيون اعتقدوا بأنه الميج 21 سورية في إحدى طلعاتها. (!)

• وفي روايات أخرى أيضاً ادعوا بأنهم سلموامنير كبسولة تحوي مادة مجهولة تصيب ابنه بأعراض غريبة لا تجد حلاً طبياً في العراق، فتسافر زوجته الى لندن لعلاج ابنها وبصحبتها الطفل الآخر، ثم تطير للحاق بزوجها في إسرائيل. وهذه رواية هزلية تفضح سذاجة الدعاية وخلوها من أية مصداقية. (!!)

• زعموا بأن روفا كان مستاء من سياسة حكومته ضد الأكراد. وإجباره على ضربهم بالصواريخ والمواد الحارقة للتنكيل بهم، وهو لذلك قد كره العيش بالعراق. (!!)

• في مصادر إسرائيلية أخرى ادعوا بأنه كمسيحي كان يحرم من الترقيات كزملائه المسلمين، وتزود طائرته بكمية من الوقود أقل منهم شكاً في ولائه. . (!!) والكذب المقصود الهدف واضح جداً في هذا الادعاء، لأن روفا كان يعامل معاملة طبيعية بعيدة عن التزمت العقائدي والمذهبي، بدليل سفره الى الاتحاد السوفييتي وأمريكا، كزملائه المسلمين، لحصوله على دورات تدريبية لزيادة الكفاءة تؤهله للترقي. والواقع أن كمية الوقود التي كانت تزوجه بها الطائرات في العراق، كان قد تم تحديدها لكل طيار – حسب درجته وإجادته – ولم تكن تمنح عبثاً، ليلهو الطيارين بالجو وقد بهرتهم الطائرة الحديثة الجبارة، التي لم يروا إمكاناتها وسرعتها الخارقة من قبل. هذه القيود كان يعمل بها حتى داخل الاتحاد السوفييتي نفسه، وتتبعه دولاً عديدة في العالم الثالث استحدثت طائرات سلاحها الجوي بالديون والقروض والفوائد.

وإنني أرى . . أن منير روفا قد تم تجنيده في باريس من خلال نقطة ضعفه، جنونه الجنسي، بدفع عميلتهم المدربة الحسناء لاصطياده، وتلبية رغباته الجامحة. واستطاعت العميلة إخضاعه والسيطرة عليه بدعوى الحب والارتباط والعاطفة، وكانت رغبة الإثراء عنده أقل حدة من الجنس، ذلك أن حكومته قد منحته راتباً سخياً، ومركزاً اجتماعياً يحسد عليه، ومن فائض مرتبه كان ينفق على بيته، ووالديه، وأخوته، ونزواته، بما يعطي مؤشر الطمع في المال الترتيب الأدنى. هذا وأنصح كل من يقرأ كتب الجاسوسية التي تروجها إسرائيل، ألا ينخدع فيما تزعمه هذه الكتب، وما تتضمنه من أحداث ووقائع، ذلك لأن أغلبها أكاذيب وتضليل وسراب.

ولكي أدلل على أكاذيب الموساد، التي سردت قصة الطائرة الميج 21 بأكثر من رواية، أشير الى بعض الكتب الإسرائيلية التي نشرت، وترجمت الى العربية، وجاءت بها القصة بأشكال مختلفة لا رابط بينهما، ابتدعها خيال الدعاية المريض:

كتاب: "الحروب السرية للاستخبارات الإسرائيلية" ص 181:184
كتاب: "الموساد" ص 217:219
كتاب: "جواسيس جدعون . . التاريخ السري للموساد" ص 52:57
كتاب: "أمراء الموساد" ص 115:117


وعشرات الكتب الأخرى، كتبها ضباط سابقين في الموساد، مهمتهم الترويج لعمليات الموساد وتضخيمها، لأسباب كلنا نعرفها، ونعرف مغزاها القذر. فإن هذه الكتب التي تصدر عن قصد، يجب أن تمنحنا فرصة التدريب العقلي.. لفحص ضلالات الكذب، ومعرفة حدود الحقيقة في الخيال، وذلك بقياس الأدلة المعلنة بالوقائع المعروفة.

تمت
التوقيع:


سكوتى لا يعنى جهلى بما يدور حولى
و لكن ما يدور حولى لا يستحق الكلام
وليست مشكلتي إن لم يفهم البعض ما اعنيه
فهذه قناعاتي !وهذه افكاري!وهذه بين يديكم كتاباتي!
أكتب ما اشعر به وأقول ما أنا مؤمن به
ليس بالضرورة ما أكتبه يعكس حياتي الشخصية
هي في النهاية مجرد رؤيه لأفكاري
فاي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
رد


أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع كتابة مواضيع
لا تستطيع كتابة ردود
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع إلى


الساعة الآن: 11:55 AM


Powered by vBulletin® Version 3.6.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات المروج المشرقة