الفنان نصير شمة يعتبر المؤلف الموسيقي الوحيد في عصرنا الحديث الذي صمم عودا ذا ثمانية أوتار متبعا ماجاء بمخطوطات النظريات الموسيقية الشهيرة للفارابي في القرن التاسع .وبالتأكيد هذا العود معتمد ويعمل به.
تجاوزت تجربة نصير شمة الموسيقية عمره وحقق نجاحا في اكثر من بلد عربي او اوروبي، وحصد الجوائز في اكثر من مدينة. حيث عزف، من باريس وبروكسيل وبرلين وكوتنبرج وتركيا واليونان وسويسرا وايطاليا والبرتغال والمغرب والاردن وتونس - كانت انامله ترتجف رهبة وحسا على الاوتار، تاركا موسيقاه تنفذ الى اعماق الناس مخاطبة عقولهم بأداء-اصيل، لتسمح وتضمد الجروح والآلام.
يقول نصير شمة لا اعتبر نفسي متمردا على الموسيقى العربية، بل متعمقا بها. العمق البعيد في موسيقانا هو الذي يعطي التجديد، والصفة المميزة المختلفة عن الآخرين. برأيي إن الموسيقى العربية في بدايات القرن العشرين أخذت جانبا تطريبيا واسعا جدا، وهذا اثر عليها تأثير كبيرا ولكنه في الوقت نفسه، اعطاها صفة معينة هي التطريب، انا اعتقد ان البدايات يجب ان تكون معتمدةعلى دراسات الآخرين.
بهر عازف العود والمؤلف الموسيقي العراقي نصير شمة سامعيه في مسرح بلدية كنزنكتون في لندن بمهارات نادرة على آلة العود. وذلك في أول ظهور له على المسارح البريطانية. وقدم شمة مجموعة من الالحان الدسمة وبإيحاءات من التراث، تكشف عن انتماءاته الفنية ضمن توجه جاد وحديث في الأداء، يغلب عليه طابع التقسيم. وهو ما يميز الفنان عن سواه من رموز هذه الآلة في المرحلة الجديدة. بدأ نصير شمة بمقطوعة حملت عنوان "ليالي بغداد" إشارة الى مسار أمسيته، وفيها استعمل التآلف النغمي كعنصر أساسي في ادائه، وفي مقطوعة مستلهمة من لحن عراقي قديم يركز شمة على التطريز النغمي ضمن قوالب شرقية خالصة مرتجلة في غالبيتها. وفي "نسمات عذبة على مقام الدشت من التراث الكردي، يخلط الفنان بين الحس الشعبي وعوالم التقسيم الشرقي ضمن منهجية حديثة تسيطر على احاسيس المستمع اليها والمنخرط بدوره في تنفيذ مراحلها وكأنه اصبح جزءا من اجوائها الرقيقة المعبرة.
ويستعين شمة بالانغام المزدوجة، وهي صفة بارزة في اداءه لموسيقى البلوز في تنفيذه لمقطوعة "قصة حب شرقية"، المستوجاة من نغم بدوي. يبدأها في العزف باليد اليسرى فقط كاشفا عن قدراته التقنية العالية في التعامل مع العود. وهي خاصية تميز العازف الممتاز المسيطر على آلته عن غيره من الذين يدورون في فلك الآلة ضمن الحدود التقليدية. وهكذا يتواصل الرحيل مع نصير شمة من أشور الى أشبيلية، وصولا الى "سكون الليل في بغداد حيث يصور ما حدث في العامرية، معبرا عن احاسيسه تجاه وطنه وسط متغيرات لا يزال صداها حاضرا بشدة. والجديد عن نصير شمة في ادائه، وليس في اجوائه التي اصبحت مألوفة عند عشاق فنه. وهكذا فإن اللافت هو استعماله يديه بخفة وبرشاقة اصابع اليد اليسرى لديه في تنقلاتها على اوتار العود بكامل اجزائه. وذلك يعتبر انجازا كبيرا في حد ذاته، الى ذلك يتمتع الفنان برصانة نادرة في استعمال الريشة، واصابع اليد اليمنى كما في مقطوعة "من اشور الى اشبيلية" لتشكيل اجواءها وتحديد مناخها.
أمام حشد من الجمهور في مدينة بوسطن في اميركا، استطاع الفنان العراقي نصير شمة
ان ينجز امسية تراثية، كان سيدها العود ومقامات النغم الاصيلة.
شكرا لك اخي فارس على هذه الالتفاتة الهامة و التذكير
بأفضل العازفين على العود في الوطن العربي
والإنسان المرهف الحس
ننتظر منك المزيد من التميز و الرقي
اختكم نسمة المروج
|