زمن الحمير

زمن الحمير


لم يسعفني (الجوجل) كثير أثناء بحثي عن بعض الموسيقي الكلاسيكية لتحميلها ، فما أشاهده على الفضائيات ليس في أغلبه موسيقي تنعش الروح ولا كلمات راقية تحترم عقل المستمع ، بل أغلبه نهيقا أو صريرا مزعجا، عوضا عن أن يكون طربا، لكن (الجوجل ) وجهني لبعض الأغاني القديمة نسبيا مثل أغاني لعبد الوهاب و فيروز و أم كلثوم وفريد و حليم، فحمـَّلت البعض رصيدا أنقله معي في رحلة تخييم في الجبل الأخضر ،كنت أنوي القيام بها مع بعض الرفاق.
........
ولقد انتشيت بالمستوى الرائع للكلمات المهذبة و الراقية التي تدفعك للتعمق فيها فتنتعش الروح حين اكتشاف أسرارها، وشعرت أن المستوي الهابط لما نشاهده في زمننا هذا على شاشات الفضائيات يكاد أن يشوه أذواقنا بما يحمله من رداءة المستوي الفني في الموسيقي والشعر، رغم بريق الألوان و جودة الإخراج للصورة التي أتى بها التقدم التقني.
........
لم أملك إلا أن أتعمق مرغما في كلمات مثل :

جفنه علم الغزل ،ومن العلم ما قتل،فحرقنا نفوسنا في جحيم من القــُبل،ونشدنا ولم نزل حلم الحب والشباب، حلم الزهر والندى، حلم اللهو و الشراب.
هاتها..من يد الرضا جرعتا تبعث الجنون...كيف يشكو من الظمأ من له هذه العيون.؟؟

يبرهن الشاعر على تأثير سحر العيون وما يمكن أن تبثه من أشعة تدفع بصاحب المشاعر الرقيقة إلى أن يسعى ناشدا أجمل معاني الاقتران ، كاقتران الندى بالزهر..إلخ .. في حلم يقظة، منتشيا بكأس تأخذه للأمل المجنون، إذ يعرف أن الآخر لا يشعر بظمأه و لا يظمأ.
........

ومثل :
وتعطلت لغة الكلام و خاطبت عيناي في لغة الهوى عيناك ، و دخلت في ليلين ..فرعك و الدجى .... .

تخاطب بغير الكلمات، بمجرد النظر غاب الشاعر داخل العيون السود كالظلام، تعبير جميل ومهذب عن اتحاد لوني العيون والشعر الأسود الغزير يغرق الشاعر في عالمهما بأحاسيسه في وصلة حوار صامت.
........

ومثل:
ده مهما طال شوقي إليه ، ومهما زاد هجري و بكاني ، بكرة يعز الود عليه، ويفتكرني.....عشان ينساني.

روعة في السمو والرضا حتى لو كان تذكره لي لمجرد نسياني مجددا، لكنه بدافع الود .
.........

ومثل :
إن روحي خير أفق فيه أنوارك.... تظهر.

لن يستطيع أحد تقدير قيمتك و يفهمك ويسعدك كما يمكن أن أفعل.
.........

هذا عن الكلمات أما الموسيقى والأدى والصوت فيكفي أن الخص كل ذلك في : عبد الوهاب
..........

أما باللهجة اللبنانية الجميلة مثلا :

سلملي عليه و بوسلي عينيه وقوله إني أبوس عينيه، وهو مفتحهن عينيه انت يلي بتفهم عليه... سلم.

ابلغه يا من تلتقي به و تتفاهم معه ( يلي بتفهم عليه ) أن جمال الشكل ليس ما انشده فيه بل جوهره ( إني أبوس عينيه، وهو مفتحهن ) الذي أعرف نقاوته، ابلغه.

.......
ومثل:

كان غير شكل الزيتون ، كان غير شكل الصابون ، وحتى أنت يا حبيبي مش كاين هيك تكون..

يبدو أن الظروف الناتجة عن تغير نمط الحياة لا تطور أو تغير الأشياء المادية فقط بل يمتد أثرها لروح الإنسان ذاته..
.........

ومثل :

تعى ولا تجي. واكذب علي، الكذبة مش خطية ، أوعدني إنك راح تجي وتعا... ولا تجي.

أعطني أملا ولو كاذبا اقتات به...إلى أن يصيبني اليأس المريح، لكن لا تصدمني مرة واحدة صدمة قاتلة.
.........

ومثل :

موعود بعيونك أنا،شو قطعت كرمالن ضياع و جروح ..وأنت عيونك سود ، مانك عارفة شو بيعملوا فيا ...العيون السود ؟؟يخرب بيت عيونك ..يا عالية..شو حلوين.

يبحث عن المناسب له ( موعود بعيونك..أنا ) فوجد ما يناسبه (مانك عارفة شو بيعملوا فيا) وهي أغنية تحمل أقصوصة تتسم بالطرافة ووصف رائع لحادثة لطيفة في بيئة معينة.
..........
هذا عن الكلمات أما الموسيقى والأدى فيكفي أن أقول صوت السماء الخارق الإبداع فيروز و الإخوان المحترمان جدا: الإخوان رحباني
......
لم آت بأمثلة من سيدة الغناء العالمي أم كلثوم أو فريد و حليم ، لأن غرضي هو أن أقارن قليلا كافيا بين موسيقي شاعت في وقت تميز برواد للنهضة في الأدب والسياسة والفن ، جعلوه زمن الجمال فسمي الزمن الجميل ، وبين أغلب ما يذاع اليوم، أكرر اغلب بدون تعميم ، والآن نحن نعيش في زمن القبح في كل شيء ، لدرجة أني فتحت جهازا لأسمع بعض الموسيقي فوجدت أحدهم يتقيأ:

بحبك يا حمار ( !!!)

بتلوموني ليه ...لو أظهرت بعض القرف.

.........