سمّاه الرسول عليه الصلاة أسد الله وأسد رسوله. سيد شباب مكة. ويحق له أن يكون سيد شباب مكة فهو ابن سيد قريش عبدالمطلب. وهو عم الرسول عليه الصلاة وأخوه من الرضاع.
كان حمزة يكن حباً جماً للرسول يلازمه الاحترام. فهو يعرف ابن أخيه معرفة عن قرب لأنهما نشئا معاً.
خرج حمزة ، كعادته صباح كل يوم ، يمارس رياضته الأثيرة ألا وهي الصيد وكان يصطاد الأسود. وكعادة أهل مكة عندما يقفلون راجعين يطوفون بالكعبة ومن ثم يمضون إلى ديارهم. فلقيته قريبا من الكعبة خادمة يقال أنها له أو لعبدالله بن جدعان…
ولم تكد تبصره حتى قالت له:
"يا أبا عمارة … لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفاً ، من أبي الحكم بن هشام … وجده هناك جالساً ، وسبّه ، وبلغ منه ما يكره"…
ومضت تشرح له ما صنع أبو جهل برسول الله …
واستمع حمزة جيداً لقوها ، ثم أطرق لحظة ، ثم مدّ يده إلى قوسه فثبّتها فوق كتفه … ثم انطلق مسرعاً صوب الكعبة ، راجيا أن يلقى عندها أبي جهل. كان حمزة يود أن يلقى أبي جهل وهو بين أسياد قريش في اجتماعهم أمام الكعبة.
فما كاد حمزة أن يبلغ الكعبة ، حتى يبصر أبا جهل في فنائها يتوسط نفراً من سادة قريش…
و في هدوء رهيب وخطوات ثابتة ، يتقدم حمزة من أبي جهل ، وبدون سابق إنذار يسل قوسه ويهوي بها على رأس أبي جهل هويته عظيمة شجت رأسه وأدمته. فانبهر الجالسون ولكن قبل أن يفيقوا من صدمتهم الأولى فإذا بحمزة يفاجئهم بالصدمة التالية:
"أتشتم محمداً ، وأنا على دينه وأقول ما يقول؟ ألا فَرُدَّ ذلك عليّ إن استطعت"… وهنا حمزة لا يعني أبا جهل فحسب بل والجالسون معه أيضاً فكان لا يهاب أحداً.
فمضى بعدها حمزة لحال سبيله تخالجه الأفكار والندم كيف يترك دينه ودين آباءه فما قاله لم يكن إلا حمية وانتصار لابن أخيه في حالة غضب. فها هو يروي عنه نفسه ويقول:
"ثم أدركني الندم على فراق دين آبائي وقومي … وبتّ من الشك في أمر عظيم ، لا أكتحل بنوم…
ثم أتيت الكعبة ، وتضرعت إلى الله أن يشرح صدري للحق ويذهب عني الريب … فاستجاب الله لي وملأ قلبي يقيناً
فمضيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما كان من أمري. فدعا الله أن يثبت قلبي على دينه.."
هكذا أسلم حمزة. وأعز الله الإسلام بحمزة فكان عن ألف رجل… كان يقف دفاع الأقوياء الشامخين يذود عن محمد وأصحابه.
ولّى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة أميرا على أول سريّة للإسلام وأول راية عقدها رسول الله كانت لحمزة.
ففي غزوة بدر تتجلى بطولة ذاك الفارس المغوار. فيراه المشركون والمسلمون يتخلل صفوف الجميع وعلى صدره ريشة النعام التي كان يعرف بها كالجمل الأورق. يصول ويجول ولا يبارز أحداً إلا قطع رأسه بالسيف.
وأصيب المشركون في تلك المعركة مصاباً عظيماً وقتل من أسيادهم أكابرهم. فقد قتل أبو جهل ، عتبة بن ربيعة ، شيبة بن ربيعة ، أمية بن خلف ، عقبة بن معيط ، الأسود بن عبدالأسد المخزومي ، الوليد بن عتبة ، النفر بن الحارث ، العاص بن سعد ، طمعة ابن عدي … وعشرات مثلهم من رجال قريش وصناديدها.
فثارت ثائرة قريش لما حصل فراحت تعد عدتها لتثأر لشرفها ولقتلاها.
وجاءت غزوة "أحد" حيث خرجت قريش على بكرة أبيها ومعها حلفاءها بقيادة أبي سفيان.
وكان من المستهدفين حمزة حيث أنه قتل جل أسياد قريش في معركة بدر وكانت العين عليه. اختارت قريش رجلاً ليقتل حمزة اسمه "وحشي" وكان عبداً حبشياً. كان وحشي عبداً لجبير بن مطعم وكان عم جبير قد قتل في المعركة.
فقال جبير لوحشي:
"اخرج مع الناس ، وإن أنت قتلت حمزة فأنت عتيق".
ثم أحالوه إلى هند بن عتبة لتزيده تحريضاً وإغراءً وكانت قد فقدت في بدر أباها ، وعمها ، وأخاها ، وابنها … وقيل لها إن حمزة هو الذي قتل بعض هؤلاء.
وجاءت غزوة أحد والتقى الجمعان…
توسط حمزة أرض الموت والقتال وراح يصول ويجول لا يقابل أحداً إلا أراه الموت وهو ينظر. وكانت الغلبة في بادئ الأمر للمسلمين ولكن خالف الرماة قول الرسول عليه الصلاة وتخلوا عن أماكنهم وانقلب الأمر.
ورأى حمزة ما حدث فأخذ يصول ويجول ويضاعف نشاطه وبلاءه … وكان هناك من يرصد له ويترقب الفرصة لقتله…
يقول وحشي
"…. وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة ، فقلما أخطئ بها شيئاً… فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق .. يهد الناس بسيفه هدا ما يقف أمامه شيء … فوالله إني لا أتهيّأ له أريده وأستتر منه بشجرة لأتقحّمه أو ليدنو مني ، إذ تقدمني إليه "سباغ بن عبدالعزى" فلما رآه حمزة صاح به: هلمّ إلي يا ابن مقطعة البظور. ثم ضربه ضربة فما أخطأ رأسه …
"عندئذ هززت حربتي ، حتى إذا رضيت منها دفعتها فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه … ونهض نحوي ، فغلب على أمره ثم مات… وأتيته فأخذت حربتي ، ثم رجعت إلى المعسكر فقعدت فيه إذ لم يكن لي في القتال حاجة فقد قتلته لأعتق"
ويقول وحشي عندما فتحت مكة هربت إلى الطائف فلما أسلم أهل الطائف تعيّت علي المذاهب. وقلت ألحق بالشام أو اليمن أو سواها…
فقال لي رجل ويحك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل أحداً من الناس دخل في دينه.
فخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألني أوحشي أنت؟ قلت نعم. قال فحدثني كيف قتلت حمزة فحدثته فلما فرغت من حديثي قال: ويحك .. غيّب وجهك .. فكنت أتنكّب طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان حتى قبضه الله إليه…
نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى أرض المعركة لينظر شهداءها وهناك في بطن الوادي وإذا هو يتفحص وجوه أصحابه الذين باعوا لله أنفسهم ، وقف فجأة … ونظر فوجم … واعتصره الألم … أسبل جفنيه.
فما كان يتصور أن يرى بشاعة التمثيل بجثمان عمه الشهيد حمزة أسد الله وسيد الشهداء.
ففتح عيناه على جثمان عمه وقال:
"لن أصاب بمثلك أبداً… وما وقفت موقفاً قط أغيظ إليّ من موقفي هذا…"
ثم التفت إلى أصحابه وقال:
"لولا أن تحزن صفية – أخت حمزة – ويكون سنّة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير .. ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثّلن بثلاثين رجلاً منهم … " ولم يكد يفرغ الرسول من وعيده السالف حتى جاءه الوحي وهو في مكانه لم يبرحه بهذه الآيات:
(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين. وإن عاقبتهم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ، ولئن صبرتهم لهو خير للصابرين. واصبر ، وما صبرك إلا بالله ، ولا تحزن عليهم ، ولا تكُ في ضيق مما يمكرون. إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون…)
وينصرف الرسول إلى بيته فيسمع نساء يبكين على شهداءهن فيقول من فرط حنانه وحبه لحمزة :
"لكن حمزة لا بواكي له"….!
ويسمعها "سعد بن معاذ" فيظن أن الرسول يطيب نفساً إذا بكت النساء عمه ، فيسرع إلى تلك النسوة فيأمرهن بأن يبكين حمزة ، فيفعلن .. ولا يكاد الرسول يسمع بكاءهن حتى يخرج إليهن ويقول:
"ما إلى هذا قصدت ارجعن يرحمكن الله فلا بكاء بعد اليوم".
فقال حسان بن ثابت في قصيدة له:
دع عنك داراً قد عفا رسمها ___ وابك على حمزة ذي النائل
اللابس الخيل إذا أحجمت ___ كالليث في غابته ، الباسل
أبيض في الذروة من هاشم __ لم يمر دون الحق بالباطل
مال شهيداً بين أسيافكم __ شلت يدا وحشي من قاتل
وقال عبدالله بن رواحة:
بكت عيني وحق لها بكاها _ وما يغني البكاء ولا العويل
على أسد الله الإله غداة قالوا: __ أحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعاً ___ هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى ، لك الأركان هدت __ وأنت الماجد البر الوصول
وقالت صفية في أخيها:
دعاه إله الحق ذو العرش دعوة __ إلى جنة يحيا بها ، وسرور
فذلك ما كنا نرجي ونرتجي __ لحمزة يوم الحشر خير مصير
فوالله لا أنساك ما هبت الصبا __ بكاء وحزنا ، محضري ومسيري
على أسد الله الذي كان مدرها ___ يذود عن الإسلام كل كفور
أقول وقد أعلى النعي عشيرتي __ جزى الله خيراً من أخ ونصير
وكان أجمل عزاء للرسول هو سؤال امرأة عن أنباء المعركة فنعوا إليها زوجها وأبوها وأخوها .. وإذا بها تسألهم في لهفة:
"وماذا فعل رسول الله"؟؟
قالوا: "خيراً … هو بحمد الله كما تحبّين"..!!
فلما رأت رسول الله أقبلت نحوه وقالت:
"كل مصيبة بعدك ، أمرها يهون"..!! فكان هذا أجمل عزاء لرسول الله.
سيرة طيبة لقائد همام وسيف من سيوف الله في الاسلام الا وهو سيدنا حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم
كان من الشهداء الابرار والصديقين لانه مات في المعركة
شكرا اخي بحر الاسرار على هذا العرض الجليل والتذكرة القيمة بهذه الشخصية والبطل الرائع الذي فرش الجنة بشهادته وسيفه الذي قاد به معراك في سبيل الله والاسلام .
هو حمزة بن عبد المطلب ( أبو عمارة )، عم النبي -صلى الله عليه وسلم- و أخوه من الرضاعة فهما من جيل واحد نشؤوا معا ، وتربيا معا، وتآخيا معا. كان يتمتع بقوة والارادة، فأخذ يفسح لنفسه بين زعماء مكة وسادات قريش، وعندما بدأت الدعوة لدين الله كان يبهره ثبات ابن أخيه، وتفانيه في سبيل ايمانه ودعوته، فطوى صدره على أمر ظهر في اليوم الموعوديوم اسلامه..
اخي بحر الاسرار على هذه النفحة الايمانية الصادقة لسيد الشهداء ".حمزة بن عبد المطلب "
وأسد الله وأسد رسوله وأول من سار بسرية في الإسلام وأول من حمل لواء ً لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
جعل الله ما قدمت في ميزان حسناتك
سيدنا حمزة سيد الشهداء
العرض العادي
