إشكالية الزمن بين الامم وواقعنا الشخصي
يطرح مواجهة الزمن واحدة من أهم الإشكاليات الحضارية التي تواجه صيرورة الوجود الإنساني, فالعالم يتغير بصورة أسطورية, وحركة الأمم باتجاه المستقبل تشكل اليوم منطق كل تحول حضاري ونهضوي, لأننا اليوم نعيش في عصر التغيرات العاصفة. في موقف الإنسان من الزمن, تتحدد أحد معالم هويته. فبعض الشعوب تعظّم الماضي, وبعضها يولي الحاضر أهمية أكبر, أما بعضها الآخر فيندفع إلى المستقبل بلا حدود ويرفعه شعارا لوجوده وحضارته. وعلى أساس إيقاعات الزمن يجري تصنيف الشعوب والأمم إلى مجتمعات تقليدية أو مجتمعات معاصرة حديثة. فالمجتمعات التقليدية تمجّد الماضي وتدور في ثناياه وتضاريس وجوده. أما المجتمعات الحديثة فهي هذه التي تجد نفسها في اللحظات الآتية التي تقتضي من الإنسان الإبداع والمبادأة والمغامرة نحو آفاق إنسانية أكثر عمقا وأصالة. فالمجتمعات التقليدية التي تمجد الماضي مجتمعات ساكنة (ستاتيكية) أما المجتمعات التي تمجد المستقبل فهي مجتمعات (ديناميكية) حرة. في المجتمعات التقليدية يتجلى دائما الموقف المجافي للتغيير والابتكار,
العمر يجري كأنه في سباق مع الريح والأيام تركض تحاول اللحاق بدولاب الزمن الذي يلف ويدور ليحلق في سماء الحياة .
هذا عن واقع الأمم فماذا عن واقعنا الشخصي
شجرة الحياة تتساقط منها أوراق أعمارنا على ارض الواقع ، وكل ورقة تسقط تحتوي على كل ما مر به الإنسان من ألم وحزن وفرح وسعادة .
كما أن عقارب الساعة تمر دون إحساس منا بالوقت الذي ينساب من أيدينا كقطرات الماء ، ومع كل قطرة تسقط تمر لحظة من أيام حياتنا .
والدقيقة التي تذهب وإن كانت قليلة لا يمكن تعويضها لأنها تصبح من الماضي الذي لا يستطيع أحد أن يعيده لهذا علينا الاستفادة من كل دقيقة وإن قلت حتى لا نفقدها ، وعلينا أن نعيش كل لحظة بما فيها من سعادة وألم ...علينا ألا ننهك عقولنا بالتفكر بالغد لأنه بيد الله ... علينا أن نعيش كل يوم بوقته ولحظته
الخطأ الفادح الذي ارتكبه العرب هو انهم عندما برزوا وتربعوا على ساحة العلم والتقدم انتابتهم موجة من الافتخار والانبهار بانفسهم مما جعلهم يقفون عند هذا الحد ليأخذ المشعل الغرب ويطوروه ويعملوا حساب الزمن والغد
وهذا كان عيبنا حتى تأخرنا ووصلنا لما نحن عليه الان اخي بحر الاسرار
فالانسان العاقل لابد ان يعيش للحظة التي هو فيها ويستمتع بها لانها ان كانت سعادة فهو يفرح ويبتهج لها وان كانت لحظة مضادة فهو يتعلم منها وفي كلتا الحالتين فهو يعيشها
ولكن اخي لا بد ان نعمل حساب الغد والزمن لان عقارب الساعة تدور بسرعة البرق وقد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ويصبح الانسان في حالة لم يتصورها او حتى يتخيلها يوما ويعود لنقطة الصفر التي جعلت كل العرب متخلفون عن الركب في العالم
شكرا اخي بحر ومشرفنا القدير على هذا الطرح الجميل والانتقاء الجيد الذي تعودنا على تألقه في كل اطروحاتك
المحترم بحر الأسرار: موضوع جيد و مهم يدفع الإنسان لضرورة المشاركة فيه ، وهل هناك أهم من الزمن في حياة الفرد والمجتمع؟؟
إن ظروفنا الاجتماعية و تخلفنا الناتج عن تكالب الغير على أمتنا، عملاعلى وضعنا في وضع متأخر ( وليس آخر ) من الركب الحضاري. العيب ليس فينا بل لظروفنا ألف سبب و سبب لا يتسع المجال للحديث عنها هنا و إلا اضطر المرء لكتابة مجلد أو اثنان.
كما قلت أعلاه : ( لهذا علينا الاستفادة من كل دقيقة وإن قلت حتى لا نفقدها ، وعلينا أن نعيش كل لحظة بما فيها من سعادة وألم ..) هذا بالنسبة للفرد و المجتمع أيضا.
لكني انفي و أخالفك الرأي عندما تقول ( علينا ألا ننهك عقولنا بالتفكر بالغد لأنه بيد الله..)
لماذا ؟ إن الله لا يغيرما بقوم حتى يغيروا ما بحاضرهم.
فإن عاشوا حاضرهم بكل لحظة فيه من سعادة و ألم ..هذا يعنى أنهم يعدون للمستقبل ما استطاعوا من أمور مادية و رباط الخيل أيضا ، بما يفيد أن رباط الخيل هنا ، هو القوة المعنوية والمادية والعسكرية، وهي الأمور التي تسبب لحظات الألم، و لحظات السعادة المتمثلة في حلاوة الإنجاز
والاطمئنان للمستقبل. ينطبق ذلك على الفرد والمجتمع.
اذا نظرنا الى الشعوب العربية نجدها تعيش بعقلية تاريخية قديمة متشبته بترا ت ازلي الشيء الذي يجعلها نعيش بين سندان المفاهيم الثقافية الساكنة ومطرقة العالم المعاصر وحركته السريعة.
هذا الاخير الذي يتحدث عن المستقبل مع العلم اننا كأمة عربية نتحدث عن الماضي ذهنيا ونعيش في الحاضر ماديا ونريد السيطرة على المستقبل حلما دون ان نمتلك مفاتيحة المتنوعة فننقسم الى شيع واحزاب متناحرة ونخسر المستقبل ولا ندرك الماضي ونتحول الى امة عائمة في التخلف الابداعي الذي يشمل شتى انواع الحياة .وتبقى التقافة العربية تكمن في قصورها عن مواكبة التكنولوجيا المتقدمة مع المعانات من تحقيق التواصل لان الحداثة والنهضة لا يمكنهما ان يتما الا من خلال العمل على بناء روح التجديد وعقل الحضارة كما لا يمكن ابدا ان تتطابق درجة الوعي الذاتي في المجتمعات التاريخية لان ازمة التقافة العربية جمود في الواقع وفي التفكيروكما قال اخي ناصر ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ليستطيعوا تغيير حاضرهم بالتفكير السليم المواكب للعصر المبني على اسس متحضرة مدروسة حتى لا يترك الايام تسبق تفكيره والدقائق تسرع في خطى لتحطيم امال التجديد
لان العقل اداة تتلاعب بـها العواطف ومهمة الإنسان الأساسية أن يراقب عواطفه ويتفحص اهواءه ويعيد الفاعلية لعقله