براغيث براغيث
( الرؤية تحدث في اللغة – كما يحدث الحلم في النوم – لأنها لا تستطيع أن تجد طريقا آخر )
إلحاقا لموضوع السمكة والقديد والقطة والخيار ... ( براغيث براغيث ... يا مغيث )
....
.. بل نحو شجرة معينة، بحثا عن السمكة الرعناء، وكان كل منهم يحاول أن يتذكر موقع بندقيته، وأحدهم أعد خنجرا إضافيا...(السمكة والقديد)
...أم أن القميء له أساليب خفية لم يحتاطوا لمكرها، و سيتمكن من سلبهم عدة بهجات كانوا يأملونها؟؟؟...( القطة والخيار )
.....
((( لم أتورط في الحديث عنهم إلا باعتبارهم مجرد مظهر ملموس لحقيقة متناهية القبح ، تأخذ بخناق انساننا المعاصر و تحجب عن عينيه صفحة السماء الخيــِّرَة والأصيلة، بسماء مزيفة ملبدة بغيوم ترسم أشكالا مرعبة تقطر أنيابها ذقونا و تمطر تراكماتها تكلسات داميةً...)))
.................
استندوا على أن ثورة صاحبنا و صراخه في وجه القميء ، و السد الترابي المدعم بالأغصان الكئيبة ، قد لقنت القميء درسا يبعد شره عنهم إلى أن يهنؤا قليلا ، ويستعدون لجولة ثانية يعرفون أنه لابد مكررها .
.....
جاءوا في رحلتهم السنوية ، رحلة الربيع الكبرى التي يرسمون ساعات بهجتهم فيها بدقة وصبر ، بعيدا عن سخف المدينة و زخمها ، التحاما مع الطبيعة وانطلاق إنساني غريزي مرح، التصاق ٌبكتلة الجبل والبحر والشلال وام كلثوم الخيام، و جارة الوادي فيروز، بل موزار و نزار، و روعة الأطلال تحت القمر الأحمر، في جندول ليالي الشرق.
.....
كانت رفيقة صاحبنا في منتهى السعادة والابتهاج، تداعب قطتها، و تضحك راضية عندما يربطها لها ، أي القطة، يربطها صاحبنا مثل خروف العيد و يطعمها أوراك السمك الطازج جدا، إذ يعرف أنها تنفر من القديد . لكن القطة أصيبت بحكة جعلتها تتنطط و تفرك مخالبها في رأسها ، ثم انتقلت عدوى الحكة إلى الرفيقة ، كانت الرفيقة المبتهجة متساهلة في البداية، تحاول أن تخفي ما تشعر به من حاجة للحك في شعر رأسها، لكن الأمر زاد عن نطاق المـُطاق، بعد أن انتشر الشعور بالحكة إلى كل منبت شعر في جسدِها، وأصبح الأمر يتطلب البعد والاختفاء كثيرا للحك حياء في اختباء، وسرت العدوى لغيرها منهن و لبعض الرفقاء من الرجال أيضا ، حيث اضطر بعضهم لتقصير ملابسهم ليتمكنوا من الحك، والبعض أخذ يحك ذقنه أيضا. القطة تتألم و تموء بحرقة تقطع وصلا من اوصال القلب مع كل مواء، الرجال ملتهين بالتقصير ، والنساء وضعنا أغطية على شعورهن حماية من الحشرات المزعجة.
.....
إلا صاحبنا .
لم يصب بحكة من حشرة ، كان يقلم المزيد من الأغصان التي تحجب نور القمر، وما أكثرها ، وعندما انتبه للمتقافزين حكا ، والتي تموء بحرقة، عندها رأي أن الموضوع يتطلب مواجهة ووقفة حسم .
.....
نظر إلى أداة التقليم بين يديه فإذا بها مملوءة بالبراغيث. وانتبه إلى أن كآبة الأغصان زادت ظلاما مع وباء البراغيث الذي يتغذى ثم ينطلق من كآبتها. متسلقا فرعا متينا نقيا، رأي كلابا شرسة تلتصق بخلف السد الترابي في اختباء جبان، هي لا تستطيع الهبوط و فضح نفسها لكن فحيحها يصل إليه، عرف بل تيقن من مصدر البراغيث الأكيد.
.....
(جعلوا المسلم في رؤيته المستقبلية لا يرى مستقبل حياته في أرضه ليكون أفضل، بل يقفزون به إلى مستقبل أبعد هو الحياة الأخرى لأن الحياة الدنيا هي متاع الغرور وهي إلى الفناء، بينما الباقيات الصالحات خير عند ربك وأبقى... يؤججون الصراع والتعصب كل يوم في كل مكان بأشرطة الكراهية ... بالإعلام ، فنذبح الوطن لأن مسيحيا حول غرفة في منزله إلى كنيسة، أو لأن كاتبا او فنانا أو سياسيا أهان نبي الإسلام في بلاد ما وراء بحر الظلمات، ليظل الإسلام دوما بحاجة لوجود سدنته...سيد القمني )
.....
غضب من البراغيث ومن ناشريها ، إذ أن المرء يكفيه ما لديه من اغصان كئيبة لا تنقصها البراغيث، وعندما تغمرها تلك الحشرات اللعينة تجعل تقلميها صعبا ، مرهقا و مؤلما معا.
.....
ما ليس غريبا .. أن البراغيث تلتصق بأداته و تحوم حوله لكنها لم تجروء على الألتصاق به .
التصقت فقط بالملتهين و الطيبين الغير محتاطين والنصف واعين، وهو ما ليس غريبا... أيضا .
أسرع إلى القطة ، ليطهرها بمياه البحر فتقفز البراغيث من فروتها خشية الطهارة إلى كتلة من القطن كان يرفعها
باليد الأخرى و تتجمع فيها ، ثم يشعلها بقداحته لتحترق الحشرات القميئة. سمع أحد الطيبين يقول في خشية .. يالله أنها تأتي من السماء مباشرة!!!!
(الجهل مثل المعرفة.. قابل للزيادة بلا حدود) ( تبقى الأغلال التي في عقولنا أكبر من قدرتنا على المقاومة والتحرر منها ..المتمردة)
....
هنا زاد رعب صاحبنا من قيمة الخطر و انفجر خشية السماء... السماء ذاتها.. هي ذاتها.. قائلا:
أي سماء تتهمون ؟؟ إن تقصيركم و تغطية رؤوسكن ، هو ما ترغبه البراغيث و الكلاب ومرسلها معا.
عليكم بالتحلي بشجاعة المواجهة على صعوبتها ، عليكم أن تستمروا كما تستمرئوا أن تعرضوا اجسادكم البريئة لنور الله و أن تستحملوا عدة قرصات من البراغيث فتقتنع بأن عنادكم واصراركم أقوى من غبائها.
تلك الحشرات المزرية والقميئة والقبيحة تعرف أني لا أخشاها فلا تقترب منى ولا تستطيع لسعي.
من ليس له مزاج لتعكير صفوه، عليه أن يطلي جسمه بالزيت اللامع و النقي فتتزحلق البراغيث التي تخشى النقاوة وتهرب إلى حيث تنتمي يائسة . اعرف مصدرها، و أعرف أن له في كل جولة معنا اسلوب و اعذار، بغية التنكيد علينا ،هل فهمتموني؟؟
......
الأمر لا يحتاج لكثير من التأمل.
المرء لا يحتاج لكثير من التذمر، عند مكافحة البراغيث، فقط عليه أن يعرف مصدرها بالتحديد الأكيد .
إن السماء بريئة من هجوم الحشرات الضارة، على عباد الله الطيبين.
.....
فكر في مجابهة ذلك القميء صاحب الكوخ الهش ، ليؤكد له علمه بأنه مصدر البراغيث ، و أنه سيجمعها في كتل من القطن المشبعة بالمحروقات و يشعلها ، فإما تـُحرق في جهنم ارضية، أو تتنطط بنارها إلى كوخه الهش ذاته.
......
سأكافحها بكل الأساليب الممكنة والغير ممكنة أيضا.
......
ايها البرغوث الأعور الذي يقطن تحت ابط ثعلب فاسق:-
لتعلم - إن كنت تجهل - لقد استعمل الكثيرون اسلوب البراغيث المشين ضدي، كل سنين عمري، لقد رأيت منها الكثير ، من قبل زمن ابن رشد إلى وقتنا الحالي ، وكنت ادحضها ، تمتص قليلا من دمائي ،تترك بعض التشوه ، لكني انتصر عليها لتختفي في الأخشاب المسوسة مثل أخشاب كوخك الهش الموشك على الانهيار بكل تأكيد ، كتأكيد بقاء ابن رشد ذاته.
.....
وبينما هو يدير تلك الأفكار في رِأسه المتخم بصداع المعرقلات، و ينشر خبرته في مكافحة البراغيث، و البعض يطلي جسده بالزيت اللامع والنقي ، والبعض الآخر ينزع ما يرتديه لمجابهة البراغيث في تحدي واضح ، سـُمعت فرقعة عالية، و شوهد لهب كبير في أعلى برجين للكهرباء يقعان غير بعيد.
.....
هرول ضابط الشرطة يختبئ خلفه القميء و جماعاتهما، مكشرين مشيرين إلى الموقع متهمين صاحبنا و رفقائه بأنهم السبب في وقوع البرجين. و أن براغيث القطة التي حرقها هي التي تنططت في نطات تصعب على الكانغارو ذاته، ثم صعدت إلى أعلي البرجين فتسببت في احداث اشتعال الأسلاك و انهيار البرجين . هل اوضحت ؟؟
قال ضابط الشرطة المهيب ، نعم واضح ولن يكذبك إلا من هو منهم.
.....
أنتم مصدر البراغيث و لا بد أن نقيم بعض رجالنا هنا لمنع البراغيث من التكاثر و تهديد الأبراج.
.....
قيل : ( اللانضج المعيق للتنوير، يعود إلى نقص العزيمة والجسارة في إعمال الفهم)
لا قوة إلا بالله ، هو تسبب في البراغيث و هم تعذروا بها للتمتع معه بالموقع و تشويه الشلال معا. وقد يجعلون منه نافورة مياه مالحة تصعد من القاع تنثر رذاذ مياهها المالحة على الجبل برمته.ثم يمنعون تقليم الأشجار ورؤية القمر و يحذرون اصطياد السمك الطازج و يفرضون القديد الذى تعشش عليه البراغيث فيتعذرون بها ليمكثوا متمتعين بالموقع مطمئنين.
.....
لا بد من حرق الأغصان المريضة حرقا جيدا فيعمل دخانها كمضاد للبراغيث. هكذا فكر صاحبنا ، ولا بد من التمسك بالتعرض لنور الشمس ، والتمتع بالرحلة كما يستمرئ الفريق ، ولا بد من بعض التضحية بتحمل بعض الطنين، لكن الشرطة و القميء والبراغيث سيخسرون ..سيخسرون..سيخسرون.
....
اصبح صاحبنا يستعمل سلاحهم ذاته، نشر الدخان ليدفع البراغيث ناحية الدخلاء و يشتكي للشرطة من ازعاج الدخان المجهول المصدر ، والقميء الأكثر ادراكا للعبة، يدفع بالبراغيث والكثير من الحشرات المقززة في كل جزء من الموقع، ثم يشتكي للشرطة من ازعاج البراغيث والدخان، والشرطة ذاتها مبهورة للعبة الخداع المتبادَل ، فتهجن البراغيث بمضادات للدخان لتتكاثر فوضى منظمة تحت رعايتها فتتعذر بها لتسترخي في الموقع.
....
قالت (....وبالتالي هناك ضرورة ملحة من اجل التكامل والتعاون ضد آفات الطبيعة،وأضرار الكائنات المضرة حتى وإن اتخذت طابع البشر... لأن الحكمة البشرية قد تعلم الإنسان بأن التناقض هو سر الحياة في نهاية المطاف. المهم هو ترتيب تنافراتهما بإصرار واضح لا يعمل على تحطيم الأنفة والكرامة جملة وتفصيلا. وتوجيه صيرورة الحياة … نحو الحياة . عائشة التاج مفكرة مغربية )
....
بقى أغلب الفريق يعيش رحلته ، كما تعود أن يعيش رحلاته، الرفيقات يمرحنا كما شئنا، مطليات بالزيت النقي اللامع والرفقاء يمرحون كما تعودوا ، اغلب الرفقاء وجد مقلـِّما للأعشاب و أخذ يزين و يطهر أشجار الجبل في ثبات . صيد السمك الطازج لم يتوقف والتقليم لم ينقطع رغم البراغيث والقميء والشرطة مجتمعين، لندعهم يعتقدون أنهم باقون، لكنهم سيرحلون ..سيرحلون ..سيرحلون.
....
رغم أن البعض اكتفي بالتقصير أو تغطية شعر الرأس ، إلا أن أحدهم دفن رأسه في الرمال لحمايته من البراغيث فمات خنقا وترك عورته مفضوحة، لتتخذها البراغيث منبعا إضافيا.
.................................
اليوم يبدو مختلفا....
الشرطة تعرف مصدر البراغيث فتتلقفها لتهجنها و تطلقها نحو الأبراج أو أعمدة النور المتواضعة.
صاحبنا مع رفقائه في ثبات و أصرار واضح ،يطلقون باعتزاز و كبرياء ماستطاعوا من دخان حارق ، مدركين أن السماء ملبدة بغبار، على دخان، على أشكال مرعبة ترسمها السماء المزيفة، مدركين وواعين لكل لعب الخداع المتبادلة.
....
فهل يتمكن الرفقاء من الثبات طويلا، في طرد هذا الطوفان من الأخطاء حتى تتطهر السماء ، وتــُظـْهـِرُ نور ربهم ذو الجلال المريح يعزز لديهم الأنفة والكرامة؟؟
..............
ذلك الجبل الثري و ذلك البحر الزاخر بما في قاعه و ما يستجلبه من اسماك ضخمة أو مختلفة، وذلك الشلال المتدفق بمياهه المستثمرة في السد الجديد ، وإرادة التقليم التي لا تكل من الصمود في وجه كل لعب الخداع المتبادل ، تلك كتلة من العناصر التي صمدت ضد كل من مروا من هنا ، مروا..ذهبوا و بقت كتلتنا ...وستبقى لكنهم سيــُجـلـَـون .
.............
الخلاصة :
إن القصة واضحة بشكل يثير الاشمئزاز، و مع هذا لن يضيرنا المزيد من الضوء:
1 - هناك ثقافات منغلقة على ذاتها ، خائفة ومفزوعة، تهاب كل شيء خارجي وتعتبره خطرا سيفكك اوصالها . عائشة التاج
قيل :كلمة الفكر المستورد تعني في الواقع أن أحدًا ما في هذا العالم المترامي الأطراف يعبِّئ أفكاره في علب الورق المقوى، ويكتب عليها طريقة الاستعمال، ثم يرسلها إلينا – مثل أقراص الأسپرين – لكي يبتلعها المواطنُ عندما يحس بوجع الرأس. وأنا أعتقد أن هذه الخرافة لا تبدو غير معقولة فحسب، بل إنها أيضًا تبدو بذيئة إلى حدٍّ كاف. فالنص الديني يأتي من السماء لكي يعمل على تغيير ملامح الثقافة السائدة. ولكن المحترفين يقومون بتفسيره عن طريق مفهومات هذه الثقافة نفسها، كما يحاول المرء أن يغسل ثوبه من الوحل بمزيد من الوحل. أي...(.) ثقافة مشوهة (.) أو كما قال : ( أن التيار المحافظ هذا يتمسك برؤية تقدمية في وقت فائت ويصيرها قانونا لا لتؤدي دورا تقدميا كما كانت في وقتها، بل كقوة يحتج بها من أجل مقاومة أي دعوة تقدمية....عمر أبو رصاع )... ) وهو ما قلته حرفيا في لوحة السمكة والقديد.
....
2- هناك ثقافات تعتمد على منطق الانفتاح و لا ترى ضررا في التعايش مع الآخرين مهما تفاوتت طباعها وخصائصها لأنها واثقة من نفسها ومن قدراتها . .. ع.ت ((أخذ يقلم بعض الأغصان التي يعرف أنه يجب أن تزال من طريق شعاع الشمس القادم صباحا من مصدره أو ليلا عبر القمر .و أخذ يكومها سدا في الطريق المعتاد لذلك القميء أو كلابه الضالة...القطة والخيار)) .. ( ثقافة السماء النقية..السماء ذاتها..هي ذاتها ... صاحبنا في لوحة براغيث يا مغيث )
3 - هناك في المقابل ثقافات تنحو للهيمنة على الآخر ولا تنفتح إلا على من هو مستعد للانبطاح والاحتوء لأنها تعتبر نفسها مالكة للحقيقة المطلقة و قد تفرض حقيقتها المفترضة هذه بقوة الحديد والنار. هكذا يختلف ميزان الانفتاح والتعايش أو الإقصاء والتهميش حسب محددات كل ثقافة او حتى حضارة ومكوناتها الفكرية والاقتصادية والسياسية ...عائشة التاج ) أو كما قيل: ( ولكن الهيمنة تبقى سلاح القوة المسلطة على رؤوس البلدان النامية...زهرة العلا ) أنتم مصدر البراغيث و لا بد أن نقيم بعض رجالنا هنا لمنع البراغيث من التكاثر و تهديد الأبراج...الضابط في لوحة البراغيث.
......
وغير بعيد عن الموضوع قال : ( ...أنهم يصورون الأمر وكأن الذكر بفضل اعتناقه الاسلام ومنذ لحظة هذا الاعتناق يصبح قنبلة جنسية موقوتة، ستنفجر، بل يحق لها أن تنفجر عند أول رؤية لأي جزء من أجزاء امرأة....الراشدي في موضوعي المسلمة و زي الراهبة )
......
|