شكرا أخي جميل على هذا الإحساس الانتمائي الغريزي الجميل ...
كما أتوجه لكل من الأخ الفاضل محمد تامر والأخ الكريم محمد عاصم والأخت الجليلة كوثر على الإضافات التي نورت الموضوع...
الوطن ليس مسقط الرأس فقط, بل هو المكان الذي نشأت فيه وترعرعت, ارتبط مصيرك به وأصبح لك فيه أهل وأصدقاء ومنافع مادية ومعنوية....
ومن يقول الوطن يقول كذلك التاريخ والتراث والأمجاد والبطولات....
و"الوطنية " هي تلك المشاعر النبيلة التي تهز كيان البشر وتشعره بالانتماء وبترسيخ هويته وتقوي فيه أواصر الاتصال بأرضه و أهله وشعبه وأمته... وليس أجل للمرء من أن يكون وطنيا في حسه وفي سلوكه اليومي إذا لا يكفي أن يفخر الإنسان بانه وطني وإنما يجب أن يترجم ذلك الشعور إلى واقع وأن يتحمل التضحيات التي تترتب عن ذلك مهما كانت جسامتها .فالتعبير عن حب الوطن بالكلام والخطابات الجوفاء دون قرنها بالعمل هو في الحقيقة تمويه وكذب وبهتان.
وإذا كانت الكلمات تُلقى دون معنى، فإن المفاهيم تُطلق دون تحديد لماهيتها، الأمر الذي يجعل السياسة بلا معنى، و الفكر خواء. و لاشكّ في أن مفاهيم الوطن و الوطنية و المواطنة و الوحدة الوطنية و الأمن الوطني التي تتردّد تكراراً، كلها مفاهيم ملتبسة، و ربما تقود إلى سقطات فكرية كذلك. فالوطنية عادة ما كانت تُستغلّ من أجل التغطية على ممارسات و نظم دكتاتورية، و قمع حراك مجتمعيّ يطالب بقضايا أساسية و ضرورية مثل الديمقراطية و الوضع المعيشي و سوء التعليم و الخدمات الصحية. كما كان تعبير الوحدة الوطنية يخفي ممارسات تمييزية و يغطي على انقسامات مجتمعية عمودية. و كذلك كان تعبير الأمن الوطني مدخلاً لاختراقات خطيرة نتيجة ممارسات السلطة ذاتها، وتفشّي النهب والفساد و التكوين الهشّ لإدارات الدولة. و ربما كان الأبرز هنا هو أن مفهوم الوطنية بات الغطاء لتدمير الوطن و نهبه و تفكيكه و اختراقه
ففي تاريخ الفكر السياسي يتحدّد الوطن على أنه رديف الأمة، انطلاقا من أنه الأرض التي تواجد شعب عليها خلال عقود طويلة، و أصبحت توسم بسمته، و به أصبحت تُسمّى وطن. و بالتالي فالوطن هو التفاعل بين الشعب و الأرض، و هما معاً مع ما ينتجانه من لغة و ثقافة و عادات و وقائع في إطار الصيرورة التاريخية، تشكّل مجتمعة الأمة. و لهذا فإن الوطنية هي سمة الانتماء إلى الأرض، كما أن الشعور القومي هو سمة الانتماء إلى الأمة.
لكن وضع العرب اتسم بما هو شاذ، حيث تقسّم الوطن إلى دول، باتت بصيغة ما تُعتبر أوطاناً، انطلاقا من نشوء الدولة ذاتها و بغضّ النظر عن تاريخية العلاقة بين الشعب الذي سكن الوطن الأساسي الذي هو الوطن العربي. و الذي بدوره أصبح شعوباً تأسيساً على الحدود الجديدة التي أتت مع بداية القرن العشرين.
وكما لا يخفي فإن الوطنية من أكثر المواضيع التي أسالت مداد الكتاب ونبهت قرائح الشعراء وأيقظت أحاسيس الشعوب سواء كان ذلك في القديم أو في عصرنا الحاضر .كما أننا نجد تكريما لمفهوم الوطنية في ديننا الحنيف, إذا قال تبارك وتعالى في سورة النساء:" ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم " وهكذا قرن الله الجلاء عن الوطن بالقتل. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الخروج عن الوطن عقوبة" وأريد أن أنهي الكلمة المتواضعة في "الوطنية " بهذه الأقوال الخالدة لبعض الحكماء والمفكرين وبما أنتجته من أبيات لجملة من الشعراء الضاد تغنوا بالوطن.
قال جالينوس:" يتروح العليل بنسيم أرضه كما تتروح الأرض المجدبة بوابل المطر"
قال أبو قراط:" يداوي العليل بحشائش أرضه , فإن الطبيعة تنزع إلى غذائها "
وقال أديب :" عسرك في بلدك خير من يسرك في غربتك"
وقال آخر : حب الوطن لا يكمن في الهتاف له وإنما في خدمته والمساهمة في بنائه, فعندما تهتف الحناجر تملأ الدنيا صراخا وعندما تهتف العقول تملأ الدنيا عملا"
وقال أبو تمام في نفس المعني :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى و حنينه أبدا لأول منزل."
وسؤالي من هذا المنبر:
لماذا يتغلب الانتماء الضيق, للمذهب أو الدين أو القبيلة على الانتماء للأوطان في أغلب البلاد العربية والإسلامية, بعكس ما يحدث في الدول المتقدمة, أوروبا وأمريكا الشمالية بالذات, حيث الولاء للوطن الكبير مقدم على كل انتماء فرعي؟.
الجواب في نظري ربما أن مفهومي "المواطِن والمواطنة" لم يتبلورا, بمفهومهما الحديث, داخل وعي "المواطن" في تلك البلاد المأزومة في مواطنيها ومواطنتها!.
تحياتي لكم جميعا مع كامل الاحترام والتقدير
|