مهرجان أفلام التحريك
“ليس هنالك مستحيل في التحريك، ما يفتح حقلا لا متناهيا أمام الإبداع. وتقنيات التهجين المتعددة ليست عقبات، بل هي أدوات مساعدة لفتح علبة الأحلام”، هذا ما ذكره مدير مؤسسة “سيتيا” ومهرجان آنسي باتريك إيفنو بمناسبة إطلاق المهرجان الأول لأفلام التحريك في سوريا الذي أقامه المركز الثقافي الفرنسي بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما وهيئة الإذاعة والتلفزيون، ما بين الثالث والثالث عشر من نيسان الجاري، في دمشق وحلب واللاذقية. ويوميات المهرجان شهدت عروضاً ومعارض وورش عمل وندوات وحوارات مفتوحة في حضور نخبة من المختصين الفرنسيين والسوريين.
أهمية التظاهرة الوليدة وتنوع فعالياتها ظهرت بوضوح منذ حفل الافتتاح في المركز الثقافي الفرنسي في دمشق. بدأ بمعرض “أركاد” لألعاب الفيديو، أُقيم بالتعاون مع مسرح آغورا بمشاركة الخبير نيكولا روزيت، تبعه العرض الأول لجزءٍ من مسلسل التحريك «جزيرة الاكتشافات» إنتاج التلفزيون السوري وقناة فرنسا الدولية للعام 2010، سيناريو أحمد معروف، إخراج موفق قات (العمل موجه إلى الأطفال). وانتهى بمعرض استعادي ضم ملصقات مهرجان آنسي الدولي لأفلام التحريك (1960- 2010) إلى جانب عيّنات توضيحية لمختلف المواد ومستلزمات العمل في مجال تصميم وإنتاج أفلام الكرتون من رسوم أولية ونماذج مصغّرة وشخصيات ثلاثية الأبعاد وعناصر ديكور وإكسسوارات مختلفة.
وفي سياق الأنشطة التخصصية ألقى ديمتري غرانوفسكي محاضرة حول برنامج التأهيل المهني في مدرسة جورج ميلييس حيث يشغل منصب مساعد المدير، وذكر أن المدرسة تأسست في أوزلي في العام 1974، وكانت الأولى من نوعها، وفيها يتعلّم الطلاب لأربع سنوات تاريخ الفن والرسم وكتابة سيناريو الرسوم المتحركة ومهن سينما التحريك والتأثيرات الرقمية الخاصة بها، ثم يقدّمون مشاريع التخرّج. ومعظم الخرّيجين يجدون فرص عمل لائقة. في الإطار إياه أشار المحاضر إلى وجود حوالى عشرين مدرسة مشابهة في فرنسا، وإن تباينت مدد الدراسة وبرامجها، والمعلومات كشفت واقع التباين الصادم على مستوى التأهيل في سوريا، فليس هناك جهة تعليمية خاصة بتدريس فن أفلام التحريك، بل ثلاث كليات تدّرس فقط تطبيقات الحاسوب في الغرافيك، بحسب ما ذكر الفنان موفق قات.
أما برنامج عروض المهرجان فقد شمل قرابة خمسين فيلما بمدد مختلفة للفئات العمرية كافة، قُدّمت ضمن مجموعة من التظاهرات، من بينها تظاهرة “أفضل أفلام مهرجان آنسي الدولي” للأعوام 2008 و2009 و2010، ضمّت ثلاثين فيلما، أجملها ربما فيلمان: “العمل” (2008، 6د و19ث) للمخرج الأرجنتيني سنتياغو غراسو، و”إكس إي تي” (2008، 8د و15ث) إخراج بونوا بارجيتون.
“العمل” فيلم قصير بدون حوار، منفّذ بتقنية الرسم على الورق والحاسوب ثنائي الأبعاد، يتناول عالما يتم فيه استخدام البشر أغراضا في الحياة اليومية، كتحويلهم إلى كرّاس ووسائط نقل وإشارات المرور وغيرها، من خلال متابعة موظف أنيق منذ استيقاظه وتناوله قهوته وفطوره حتى وصوله إلى عمله، حيث يشتغل ممسحة لحذاء المدير. بينما “إكس إي تي” هو فيلم تخرّج بتقنية حاسوب ثلاثي الأبعاد، يروي قصة طفل مشاكس سيئ الأخلاق يُولد في كوكب يسوده النظام والانضباط، وحين لا تجدي كل محاولات المربّين والمرشدين في إصلاح سلوك الطفل، يقومون بوضعه في مركبة فضائية وإرساله إلى الأرض.
وفي حضور الخبيرة الفرنسية كورين ديتومب تم عرض أربعة أفلام ضمن تظاهرة “استديو فوليماج”، هي: “ربيع ميلي” (2009، 26د) و”قصر الآخرين” (2002، 5د) للمخرج بيير لوك غرانجون، “السيرك” (2010، 7د) إخراج نيكولا برو، و”حطاب الكلمات” (2009، 11د و10ث) إخراج إيزو تروان.
كذلك خصّص نادي السينما بإدارة المخرج أسامة محمد والناقد حسان عباس أمسية لأفلام التحريك، شملت ستة أفلام فرنسية وثلاثة أفلام سورية، منها “الجدار” إخراج محمد خالد الحلبي، والفيلم بدون كلام، ويمثل الإنتاج الأول لشركة “نايا” الخاصة (تم تنفيذه العام الحالي بتقنية الرسم وحاسوب ثلاثي الأبعاد وبكلفة نصف مليون ليرة سورية)، ومن خلاله نتابع شخصية ممثل بانتومايم يعترضه جدار، يسد عليه سبل الحياة، فيقرر تحويله إلى حامل فني بالرسم عليه، بدلا من التذمر والقنوط. وقد نجح الفيلم فنيا في بلورة القصة وإيصال المقولة، غير أنه من المثير للتساؤل استعانة فريق العمل بأدوات المسرح لتنفيذ الفكرة، واستلهام معاناة الفلسطينيين مع جدار الفصل العنصري من دون الإشارة إلى ذلك.
كذلك أفرد المهرجان أمسية خاصة بأفلام الشباب التي أنتجتها احتفالية “دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008”، وعددها ثمانية، وأخرى خاصة بالمخرج موفق قات، شملت أربعة أفلام من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، هي: “ألف صورة وصورة”، “مذكرات رجل بدائي”، “الوصية الحادية عشرة” و”حكاية مسمارية”. وربما يكون الأخير واحدا من أذكى وأجمل أفلام المخرج لزخم مقولته الفكرية واختزالها في أبسط الأشكال الفنية، حيث يصوّر من خلال المسامير قصة الصراع المدمّر بين قوتين متناحرتين تؤدي إلى ركام من الجثث والخراب، يقف عليه قادة الحروب في الختام متصالحين متعانقين.
ولم تقتصر عروض المهرجان على أفلام التحريك القصيرة والمتوسطة الطول، بل قدّم أيضا سبعة أفلام طويلة، ثلاثة منها للمخرج الفرنسي الشهير ميشيل أوسلو: “آزور وأسمر”، “أمراء وأميرات”، و”كريكو والحيوانات البرية”، وفيلم بانيك استروب “الطفل الذي أراد أن يكون طفلا”، والأفلام السورية “الجرة”، “خيط الحياة” و”طيور الياسمين”.
في ختام التظاهرة الممتعة يحضر السؤال حول إمكان استمرار المهرجان واتساع دائرته باستقطاب المزيد من التجارب العربية والأجنبية؟ وأيا كانت الإجابة، فمما لا شك فيه أن اجتماع الفعاليات التي حملتها الدورة الأولى في سياق تشاركي متناغم أدى إلى إضاءة الكثير من الإشكاليات العامة والمحلية على حد السواء، وأسفر عن العديد من النقاشات المثّمرة والأسئلة الجدّية التي تصب في مصلحة الفن عموما والتجربة السورية بشكل خاص، أو كما صرّح مستشار التعاون والنشاط الثقافي الفرنسي باتريك دوريل: “يبقى التنوع أفضل ضمان لعالم يسعى إلى فهم بعضه بعضا، وإلى الحوار والإبداع متجاوزا كل التباينات”.
اختكم نسمة المروج