تعتبر جزيرة صقلية نقطة لقاء ثانية بين الشرق والغرب، ومعبراً آخر امتزجت فيه الحضارة الإسلامية بالحضارة الأوروبية، وذلك بفضل موقعها الجغرافي بين ساحل إيطاليا الجنوبي الذي لا يفصلها عنه سوى مضيق مسيني شمالاً، وبين الساحل التونسي القريب منها جنوباً. لهذا كانت صقلية حلقة اتصال سياسي وحضاري بين أفريقيا وأوروبا.
وتشاء الأقدار أن يتم فتح هذا المركز الحضاري الهام في عهد خليفة عالم وهو "عبد الله المأمون " حكيم بني العباس، وعلى يد قائد عالم وهو قاضي القيروان "أسد بن الفرات بن سنان " الذي أسند إليه الأمير زيادة الله الأول الأغلبي ، حاكم أفريقيا، قيادة الحملة إلى صقلية.
أبحرت(حملة من ميناء سوسة التونسية في أسطول من مائة مركب(سنة 212 هـ/827 م)، واتجهت نحو الساحل الغربي لجزيرة صقلية حيث استولت على مدينة " مازرة" Mazara وغيرها من النواحي المواجهة للساحل التونسي جنوباًَ، ثم اتجه أسد بن الفرات نحو شرق الجزيرة حيث قاتل البيزنطيين قتالاً شديداً حتى هزمهم، واستشهد هناك عند أسوار مدينة "سرقوسة" Syra cuse (213 هـ / 828 م)، بعد أن وطد الحكم الإسلامي في بعض نواحي الجزيرة.
ولقد واصل الأغالبة جهودهم في فتح صقلية بجميع مدنها وقلاعها، واستغرق منهم ذلك وقتاً طويلاً يقرب من ثمانين سنة (293 هـ/3. لم) وهي مدة طويلة إذا قورنت بفتح الأندلس الذي لم يستغرق أكثر من ثلاث سنوات. والسبب في ذلك يرجع إلى أن المسلمين لم يجدوا في أسبانيا سوى جيش محلي مفر، بينما كان وراء صقلية الإمبراطورية البيزنطية، تمدها بالمال والرجال. فضلاً عن قوة حصون الجزيرة ومناعتها. ولما قضى الفاطميون على دولة الأغالبة في المغرب (297 هـ/ 909 م)، ورثوا أسطولها وممتلكاتها. ومن ثم دخلت صقلية في فلك الدولة الفاطمية، وصار يحكمها ولاة من قبل الخلفاء الفاطميين سواء في المهدية أو في القاهرة بعد ذلك. إلا أن هذه التبعية كانت اسمية في غالب الأحيان خصوصاً في عهد أسرة الكلبيين (948- 1052 م) التي تمتعت باستقلال ذاتي في حكم الجزيرة.
وكيفما كان الأمر، فإن صقلية حظيت خلال هذين العهدين الأغلبي والفاطمي، بحكم إسلامي مزدهر، وانتشر المسلمون فيها، وانتشرت معهم الحضارة الإسلامية في مدنها المختلفة. وقد أشاد الرحالة والجغرافيون المسلمون بما كان في هذه المدن من مساجد وقصور وحمامات وبيمارستانات وأسواق وأسوار وقلاع ومراسي… الخ. إلى جانب الصناعات التي أدخلوها كصناعة الورق والحرير والسفن والفسيفساء ذات الرخام الملون. كما استخرجوا المعادن المختلفة كالكبريت والنفط والنشادر والرصاص والحديد… الخ وشاركوا في ضروب الزراعة والتجارة، ونشروا لغتهم العربية وعاد اتهم وثقافتهم بين الخاصة والعامة.
غير أن صقلية لم تنعم بالهدوء والاستقرار مدة طويلة خصوصاً بعد انقراض دولة الكلبيين (1052)، إذ دبت فيها النزاعات الداخلية مما أدي إلى قيام فترة شبيهة بفترة ملوك الطوائف بالأندلس ومن ثم كان من السهل على أي فاتح أن بغزو الجزيرة من الشمال أو الجنوب.
شكرا لك اخي علي عربي على هذا الطرح القيم و التذكير
الطيب عن هذه الحضارة الاسلامية العريقة
ننتظر منك اخي المزيد من التواصل و التجديد
اختكم نسمة المروج