قصص لأطفالنا الحلوين
قصة .. صانع المعروف
في إحدى القرى النائية الواقعة على ضفاف النهر السابع،عاش شيخ صيادوابنه الوحيد(أبو البركات) في هدوء وطمأنينة مع أهل القرية الطيبين. ومرت السنون، ولما أحس بدنو أجله، نادى ابنه "أبو البركات" وقال له: يا بني، لقد أصبحت رجلا، وآن الأوان لأخبرك بسري الذي كتمته كل هذه السنين الماضية، فأرهف السمع جيدا لما أقول: واقترب "أبو البركات" من أبيه باهتمام شديد. قال الأب: أنا ملك "بلاد الرياحين" أخرجت منها بعد مؤامرة دبرها ابن عم لي ليستولي على خيرات البلاد، ويظلم الناس ويأكل أموالهم، فخرجت وليس معي إلا بعض الوزراء المخلصين من حراسي وأتباعي، وسرنا مئات الأميال عبر غابة مخيفة تجري فيها أنهار سبعة. ويسكنها وحش مرعب ومات البعض أثناء الرحلة، وتاه البعض الآخر في مسالك الغابة الرهيبة، كنت أنت رضيعا على ذراعي أمك الملكة، التي ماتت حزنا على أخيك الأكبر"سليمان" الذي ظل في بلاد الرياحين، ولم يخرج معنا. وتابعت سيري، وليس معي إلا أنت وتابعي المخلص"ميمون" الذي غرق وهو يحاول اجتياز النهر السابع، واضطررت بعد أن نفد مالي أن أستقر في هذه القرية الوديعة، لأعمل في صيد السمك. عندئذ تغيرت نبرة صوت الشيخ، و راح يتلوى من شدة الألم، وفزع "أبو البركات" ولم يدر ماذا يفعل؟! كان الوقت ليلا، والقرية صغيرة ليس فيها طبيب، رفع بصره إلى السماء والدموع تنهمر من عينيه، ثم خرج فطرق باب جاره لعله يجد من يساعده، ويخفف آلام أبيه.. واستيقظت القرية كلها، وتجمع الناس عند كوخ الصياد، ولكن المشاعر وحدها لا تكفي.
كان "أبو البركات" المسكين يتمنى أن يفدي أباه بنفسه، وجلس قرب رأسه يبكي، ونظر الوالد إلى ولده، وقال وهو يوشك على الموت: "لا تحزن يا بني، فالموت نهاية كل حي، وأنت اليوم رجل، وقد ربيتك على مكارم الأخلاق، وعلمتك الصبر والشجاعة، وقبل أن ألقى ربي، أستمع مني إلى هذه النصيحة ولا تنساها أبدا:
"إن أردت أن تظل محبوبا بين الناس، فاصنع المعروف فيهم، وأحسن إليهم، فإنك لو فعلت ذلك ستصبح في عيون الكل عظيما".
كانت هذه النصيحة آخر ما تلفظ به الشيخ، فبكى أبو البركات بكاء مرا، وبكى أهل القرية رجلا طيبا أحبوه، وأحبهم. مر عام على وفاة والده، وأبو البركات يعيش وحيدا. ونصيحة والده تدوي في أذنيه، كانت تتنازعه عاطفتان.. إحداهما تشده إلى القرية التي عاش فيها وتقاسم مع أهلها حياتهم، والأخرى تطالبه بالرحيل والعودة إلى بلاده الرياحين. لكنه قرر العودة إلى بلاده ليرفع الظلم عن أهلها، وأخبر الفتى أهل القرية بعزمه على الرحيل، فعز عليهم فراقه، ورجوه أن يبقى معهم، وحذره بعضهم من مخاطر الرحلة، فهي شاقة وطويلة.
ولم يتراجع الفتى عن عزمه، وصمم على ركوب المخاطر في سبيل العودة إلى بلاده الرياحين، غادر القرية وأهلها الطيبون يودعونه بنظراتهم الحزينة الداعية له بالسلامة والتوفيق.
قصة .. بنان الصالح في مواجهة الأسد
سمع العبد الصالح "بنان الحمال" أن السلطان قد سجن القاضي ابن قتيبة، لأنه أصر على أخذ حق المظلوم, وكان السلطان قد اغتصبه منه. فقرر أن يواجه السلطان أثناء حضوره لأداء الصلاة في المسجد. وما أن اتخذ السلطان مكانه في المسجد, بين حاشيته وجنده، حتى قام بنان الحمال من بين المصلين مناديا بأعلى صوته: "أيها السلطان, اتق الله في رعيتك، وأعد الحقوق إلى أهلها، وأطلق سراح القاضي ابن قتيبة، فإنك نسيت الله فأنساك نفسك.
طريقة جديدة للقتل:
ودهش السلطان، فمن هذا الذي يجرؤ على مخاطبته بمثل هذا القول في المسجد أمام الناس؟ ولكنه تماسك وصاح في جنده: "اقبضوا على هذا المجنون". فرد بنان الحمال:"لست بمجنون، ولكن المجنون من ضيع آخرته من أجل دنياه". وكان من عادة السلطان أن يأمر بقتل من يغضبه في الحال, ولكنه كتم غيظه، وفكر في طريقة توقف كل من تسول له نفسه أن يواجهه عند حده. فأمر بأن يسجن حتى ينظر في أمره. وبعد مضي أسابيع، نادى منادي السلطان بأن يجتمع الناس ليشهدوا عقوبة المتطاول على هيبة السلطان.
مع الله لا يبالي:
ولما علم بذلك بنان الحمال، قام ووقف أمام الله يصلي ويدعوه قائلا:"اللهم إني أسديت له النصح، وأمرته بالمعروف, ونهيته عن المنكر، اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك, فلا تمكنه مني, نصرة لدينك. كان بنان الحمال يخشى أن يرتدع الناس، فلا يقووا على مواجهة الظالم، فيسكتوا عن نصرة الحق.
الأسد وبنان في قفص واحد وجها لوجه:
و اجتمع الناس ليشهدوا عقوبة الرجل الذي وقف وحيدا في وجه السلطان. وجيء ببنان فوضع في قفص أعد لذلك في الساحة العامة, ثم جيء بأسد جائع منذ أيام. ولما رأى الناس الأسد الذي هز زئيره القلوب، وأدخل فيها الهلع، جزعوا, وسكتوا كأن على رؤوسهم الطير، وفتح باب القفص وأدخل الأسد على الرجل الجالس في سكينة يذكر الله، دون أن يهتز له جفن, فقد كان يعلم أن الدنيا لو اجتمعت عليه فلن يصيبه إلا ما كتبه الله عليه...وتقدم الأسد.. وأصاب الناس الفزع, وأغمض بعضهم عينيه, حتى لا يرى نهاية الرجل المفجعة بين أنياب الأسد الجائع. وكان السلطان يجلس بين جنوده يتلذذ بما يرى. واقترب الأسد من الشيخ، وجعل يشمه, ويدور حوله ..ولم يصدق الناس أعينهم:"الله أكبر.. ما هذا؟". وفتح الذين أغمضوا عينيهم ليروا.. "ما هذا؟".
لقد كان الأسد جالسا بجوار الشيخ مثلما يجلس القط إلى جوار سيده, وكأنهما صديقان حميمان. وهنا صحا السلطان من غفلته, واستيقظ من نشوته, وعرف بأن بنانا الحمال كان على حق, وأنه رجل صالح، والله يحفظ الصالحين من عباده، فأخرجه من القفص واعتذر إليه، وأمر بإعادة القاضي ابن قتيبة إلى منصبه, ورد لكل ذي حق حق، و تاب إلى الله
اختكم نسمة المروج